29‏/12‏/2009

حكم التنفل بعد صلاة العصر..

اختلف العلماء في الصلاة بعد العصر على أقوال :

الأول : كراهية التنفل مطلقاً, سواء أكان تنفلاً بسبب أم من غير سبب , فلا يُصلَّى في هذا الوقت إلا الفريضة الفائتة . وهذا مذهب أبي حنيفة وأصحابه , كما حكاه عنهم أبو جعفر الطحاوي في ( شرح معاني الآثار )

الثاني : كراهية التنفل المطلق , أما التنفل الذي له سبب فليس يُكره أن يُصلَّى في هذا الوقت . وهذا مذهب الشافعي .

قال النووي : مذهبنا ان النهي عن الصلاة في هذه الاوقات ( يعني : أوقات النهي عن الصلاة ) إنما هو عن صلاة لا سبب لها , فاما ما لها سبب فلا كراهة فيها , والمراد بذات السبب : التى لها سبب متقدم عليها . فمن ذوات الاسباب : الفائتة فريضة كانت أو نافلة إذا قلنا بالاصح أنه يسن قضاء النوافل فله في هذه الاوقات قضاء الفرائض والنوافل الراتبة وغيرها وقضاء نافلة اتخذها وردا , وله فعل المنذورة , وصلاة الجنازة , وسجود التلاوة , والشكر , وصلاة الكسوف , وصلاة الطواف , ولو توضأ في هذه الاوقات فله أن يصلى ركعتي الوضوء . اهـ ( المجموع شرح المهذب 4/170 )

قلت : وهذا المذهب هو رواية عن الإمام أحمد , قدَّمها المجد ابن تيمية في المحرر ( 1/86 ) , واختار هذا المذهب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه الإمام ابن القيم , وقال عنه الشيخ الإمام عبدالعزيز بن باز : هو أصح الأقوال , وبه تجتمع الأخبار . اهـ ( تعليقات الشيخ ابن باز على فتح الباري 4/364 طبعة دار طيبة )

الثالث : إباحة التنفل مطلقاً ؛ بسبب ومن غير سبب . قال الحافظ ابن حجر : وبه قال داود وغيره من أهل الظاهر, وبذلك جزم بن حزم . اهـ ( فتح الباري 4/364 طبعة دار طيبة )

قلت : كذا قال الحافظ , والذي في ( المحلى 3/7_8 ) أن ابن حزم خالف داود في هذه المسألة ؛ حيث منع من التنفل عند اصفرار الشمس , وأما داود فقد أباحه مطلقاً .

وادعى هولاء أن أحاديث النهي منسوخة , كما قال الحافظ ابن حجر . وذكر أن الناسخ عندهم هو حديث : ( من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فليصل إليها أخرى )

فدل على إباحة الصلاة في الأوقات المنهية . كذا قالوا , وفيه نظر ظاهر .

الرابع : إباحة التنفل مطلقاً بعد العصر والشمس حية , ( أي : قبل اصفرار الشمس ) , وهذا المذهب يُروي عن عبدالله بن عمر رضي الله عنه كما في فتح الباري ( فتح الباري 2/370 طبعة دار طيبة )

وهو اختيار الإمام ابن خزيمة كما يظهر من تبويبه للحديث في ( صحيحه 2/265 ) , كما اختاره الحافظ ابن حزم , ورجحه من المعاصرين الشيخُ العلامةُ محمد ناصر الدين الألباني كما في ( السلسلة الصحيحة برقم 200 ) , وحجة هذا القول هو الحديث أخرجه أبو داود ( 1274 ) , والنسائي ( 1/280 ) , وأحمد ( 2/ 46 طبعة الرسالة ) وغيرهم من حديث عَلِيٍّ رَضِي اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ إِلَّا وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ .

وفي رواية الإمام أحمد قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( لا يُصَلَّى بعد العصر الا أن تكون الشمسُ بيضاءَ مرتفعةً )

قال الحافظ ابن حجر : إسناده صحيح قوي . ( فتح الباري 2/370 طبعة دار طيبة )

وقال الشيخ الألباني : إسناده صحيح , وكذلك قال الحافظان العراقي والعسقلاني , وصححه ابن حبان أيضاً وابن حزم . اهـ ( صحيح سنن أبي داود _ الأصل _ 5/19 )

وهذا المذهب هو أرجح الأقوال في هذه المسألة , والله تعالى أعلم .

***********


اختُلف في حكم التنفل بعد صلاة العصر على قولين :

الأول : أن الصلاة بعد العصر منهي عنها مطلقاً لعموم آحاديث النهي , وبه قال جماهير العلماء ( المجموع 4 / 175 )

ومرادهم بهذا الوقت المنهي عنه هو المتعلق في حق كل إنسان بفراغه من الصلاة الحاظرة .

قال ابن قدامة : (والنهي عن الصلاة بعد العصر متعلق بفعل الصلاة , فمن لم يصل أبيح له التنفل , وإن صلى غيره , ومن صلى العصر فليس له التنفل وإن لم يصل أحد سواه . لا نعلم في هذا خلافاً عند من يمنع الصلاة بعد العصر ... ) ( المغني 2 / 525 )

وقد خص بعضهم هذا العموم بالصلوات ذوات الأسباب كرعتي الطواف وصلاة الجنازة وتحية المسجد , وصلاة الكسوف , وقضاء السنن الراتبة ... ( الزركشي 2 / 58 )

أي أن النهي مخصوص لما لا يلزم وما ليس له سببا . ( الأم 1 / 269 ) , ( المغني 2 / 527 )

واستدل أصحاب هذا القول بما يلي :

1 ) ما رواه البخاري , ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال : سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول : " لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس , ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس " ( خ : 586 , م : 827 )

2 ) وما رواه الشيخان وغيرهما عن ابن عباس – رضي الله عنهما - : " أن النبي - صلى الله عليه وسلم – نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس , وبعد العصر حتى تغرب ) ( خ : 581 , م : 826 )

وغيرهما من آحاديث العموم في النهي عن الصلاة في هذين الوقتين .

ومن الأدلة على ذلك قولهم : أن عمر رضي الله عنه كان ينهى عن الركعتين بعد العصر ويضرب عليهما .

القول الثاني : مشروعية الصلاة النافلة بعد العصر ما لم تصفر الشمس , وأن وقت النهي يبدأ من اصفرار الشمس حتى غروبها , أي قبيل الغروب .

وأجابوا عن أدلة القول الأول , بأن هذه الآحاديث عامة , وقد ثبت ما يخصص هذا العموم .

1 ) فقد روى أبو داود والنسائي من حديث علي – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم – ( نهى عن الصلاة بعد العصر إلا والشمس مرتفعة ) وفي المسند : ( لا تصلوا بعد العصر إلا أن تصلوا والشمس مرتفعة ) ( السلسلة الصحيحة 1 / 341 )

2 ) وعن ابن عمر – رضي الله عنهما – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : ( لا يتحرى أحدكم فيصلي عند طلوع الشمس ولا عند غروبها ) وقد بوب البخاري على هذا الحديث بقوله : ( باب لا يتحرى الصلاة قبل غروب الشمس 1 / 585 ) مشيراً إلى أن النهي إنما هو مخصوص بوقت الغروب .

3) وفي الصحيحين من حديث عائشة – رضي الله عنها – أنها قالت : ( صلاتان ما تركهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم – في بيتي قط سرا ولا علانية : ركعتين قبل الفجر , وركعتين بعد العصر ) وهذا لفظ مسلم

قال ابن المنذر : فإذا جاز أن يتطوع بعد العصر بركعتين جاز أن يتطوع المرء ما شاء من التطوع فيها ( الأوسط 2 / 390 )

وفي الأصل أن هاتين الركعتين كانتا قضاء لسنة الظهر البعدية .

ففي الصحيحين أن أم سلمة سألت النبي - صلى الله عليه وسلم – عن هاتين الركعتين فقال : ( إنه أتاني ناس من عبدالقيس بالإسلام من قومهم فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر فهما هاتان )

وزاد مسلم ؛ أن عائشة رضي الله عنها قالت : ( ثم أثبتهما , وكان إذا صلى صلاة أثبتها , تعني داوم عليها )

قال ابن حزم : بهذا تعلق الشافعي , ولا حجة له فيه , لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – لم يقل إنهما لا تجوزان إلا لمن نسيهما أو شغل عنهما , ولو لم تكن صلاتهما حينئذ جائزة حسنة ما أثبتهما في وقت لا تجوز فيه . ! ( المحلى 1 / 265 )

4 ) وفي مصنف ابن أبي شيبة ( 2 / 352 ) : حدثنا عفان قال : نا أبو عوانة قال : ثنا إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه : أنه كان يصلي بعد العصر ركعتين , فقيل له ؟ فقال : لو لم أصلهما إلا أني رأيت مسروقاً يصليها لكان ثقة , ولكني سألت عائشة ؟ فقالت : ( كان لا يدع ركعتين قبل الفجر , وركعتين بعد العصر )

قال الألباني : وهذا إسناد صحيح غاية على شرط الشيخين ( الصحيحة 6 / 1010 )

5 ) وفي المسند من حديث عائشة أيضاً : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – كان يصلي ركعتين بعد العصر ) وفي رواية : ( ما من يوم يأتي على النبي – صلى الله عليه وسلم – إلا صلى بعد العصر ركعتين ) وفي رواية : ( ركعتان لم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – يدعهما سراً ولا علانية : ركعتان قبل الصبح , وركعتان بعد العصر ) ( الصحيحة 6 / 1011 – 1012 )

6 ) وقد ثبت عن جماعة من الصحابة ومن بعدهم صلاة ركعتين بعد العصر , ومن هؤلاء : عائشة , وأم سلمة , وعلي بن أبي طالب , والزبير وابنه عبد الله , وتميم الداري , والنعمان بن بشير , وأبو أيوب الأنصاري , وأبو بردة بن أبي موسى, وأبو الشعثاء , وعمرو بن ميمون , والأسود بن يزيد , وأبو وائل, ومحمد بن المنتشر , ومسروق , وغيرهم ... ( الأوسط 2 / 392 ) ( التمهيد 13 / 33 – 37 ) وانظر ( الصحيحة 6 / 1012 )

فلا حجة بعد ذلك لمن تمسك بفعل عمر – رضي الله عنه – مع وجود المخالف له من الصحابة

بل كان عمر – رضي الله عنه يصليهما , وأما ما ثبت عنه أنه كان ينهى عنهما ويضرب عليهما فقد جاءت روايات أخرى عند عبد الرزاق وغيره أنه كان يفعل ذلك خشية أن يتمادى الناس في الصلاة بعد العصر حتى يصلوا في وقت النهي , ومن ذلك قوله : ( أخاف أن يأتي بعدكم قوم يصلون ما بين العصر إلى المغرب حتى يمروا بالساعة التي نهى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن يُصلى فيها ) ( مصنف عبد الرزاق 2 / 431 )

وفي مسند السراج ( 1 / 132 ) : عن المقدام بن شريح عن أبيه قال : سألت عائشة عن صلاة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كيف كان يصلي ؟ فقالت : ( كان يصلي الهجير ثم يصلي بعدها ركعتين , ثم يصلي العصر ثم يصلي بعدها ركعتين . فقلت : فقد كان عمر يضرب عليها وينهى عنهما ؟ فقالت : قد كان عمر يصليهما , وقد علم أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كام يصليهما , ولكن قومك أهل الدِّين قوم طغام ؛ يصلون الظهر , ثم يصلون ما بيين الظهر والعصر , ويصلون العصر ثم يصلون ما بين العصر والمغرب ,

فضربهم عمر , وقد أحسن ) .

قال الألباني : وإسناده صحيح , ثم قال : وهو نص صريح أن نهي عمر عن الركعتين ليس لذاتهما كما يتوهم الكثيرون , وإنما هو خشية الاستمرار في الصلاة بعدهما , أو تأخيرهما إلى وقت الكراهة , وهو اصفرار الشمس , وهذا الوقت هو المراد بالنهي ... ( الصحيحة 6 / 1013 ) .

25‏/12‏/2009

مناقشة علمية على صيام يوم السبت بين العلامتين االالباني رحمه الله و العباد حفظه الله

الألباني: نعم . . الشيخ عبدُ المُحسن عنده شيء . . تفضل . .

العبَّاد: عن موضوع صيام يوم السبت . . أنت تقول أنَّه لا يُتطوع فيه مُطلقاً أو إذا أُفرد؟

- مُطلقاً؛ إلا في الفرض كما قال، لا أفرق بين إفراده وبين ضمِّه إلى يوم قبله أو يوم بعده، ذاكراً والحمد لله حديث جويرية: ((. . . هل صمت قبله. . هل تصومين بعده؟ قالت: لا)).

- الجمعة نعم؟

- الذي بعده يوم السبت.

- أنا أقول أنه هذا الحديث مع الذين يقولون بجواز صومه مقروناً بغيره؛ فيوم الجُمُعة . . إذا صام يوم الجمعة صام يوم السبت، هذا حديث جُويرية صريح في هذا ولكننا نجيب بما سبق حول المسألة المتعلقة بقوله عليه الصلاة والسلام: ((لا يقطع الصلاة شيء)).

- لا أنا أريد بس ما يتعلق بيوم السبت؛ يعني هل يُتطوع به مقروناً إلى غيره؟

- لا لا، أقول لا بارك الله فيك، ولكن قصدت بكلامي في رجوعي إلى البحث السابق أنَّ حديث جويرية يبيح وحديث لا تصوموا يحظر فيقدم الحاظر على المبيح هذا الذي قصدت إليه حينما رجعت إلى الموضوع السابق.

- بس ألا يُحمل حديث النهي عن صيام يوم السبت، على إفراده بالصيام؟

- الرسول -عليه الصلاة والسلام- كما لا يخفاكم وأنتم أهل اللغة العربية ومنكم نتعلم، هو قال -عليه السلام-: ((لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم))، إلا فيما افترض عليكم . .

- بس ألا يُحمل على الانفراد؟

- لا، لأنه ناقضٌ للاستثناء، ثم ماذا يقول أهل العلم فيما إذا اتفق يوم السبت مع يوم عيد، لنفترض مثلاً صوم يوم عرفة بعده يليه صوم يوم السبت، صوم يوم عرفة معروف فيه الفضل لدى طلاب العلم فضلاً عن أمثالكم، فيشرع صيام يوم السبت على الخلاف المعروف لمن كان في عرفة مثلاً السنة ألا يصوم وإنَّما هذه الفضيلة بالنسبة لمن ليس في عرفة، المهم جاء يوم عرفة موافقاً ليوم الجمعة، ثم جاء بعده يوم العيد يوم سبتٍ، فهل يجوز صيام يوم الجمعة نظراً إلى كونه يوم عرفة وصيام يوم السبت الذي هو يوم العيد ونعلم جميعاً أنَّه منهي عنه، بحجة أننا لا نصوم يوم السبت مفرداً لأن الحديث خاصٌ فيما إذا صيم مفرداً؟ ما أعتقد أن أحد من أهل العلم في مثل هذه الصورة -وهي ليست خيالية- بل قد يتفق في كثير من الأحيان أن يكون يوم الجمعة يوم عرفة، والذي يليه بطبيعة الحال هو يوم سبت، فهل نقول بجواز صوم هذا اليوم لأننا صمنا يوم الجمعة، وبحجة أنَّه يوم عرفة؟ ما أظن أن أحداً يجيز هذا . .

- بس لأنه حرام صوم يوم العيد . .

- إذا سمحت . . هذا كلامكم يلتقي مع كلامي، حين أقول: ما أظن أن أحداً يقول بجواز هذا الصيام، ولكن إذا كان الأمر كذلك؛ فإذن التعليل بالإفراد ليس سليماً، تعليل النهي بالإفراد ليس سليماً، لأنَّه هنا لم يُفرد، ما هو الجواب؟ هو ما تفضلتم به أن النهي عن صيام يوم العيد معروفٌ؛ طيب ما الفرق -بارك الله فيكم- بين نهي ونهيٍ؟ أنا أقول الجواب: الفرق أنَّ النهي عن صوم يوم العيد معروف عند عامة العلماء بل وعامة طلاب العلم، أمَّا النهي عن صيام يوم السبت؛ فهذا كان مجهولاً، كان مطوياً، كان نسياً منسياً، هذا هو الفرق، وإلا نهي الرسول عليه السلام هنا وهناك واحد، بل أقول إنَّ نهيه عن صيام يوم السبت آكد من نهيه -عليه الصلاة والسلام- من صوم يوم العيد، ذلك لأنَّ نهيه المتعلق بصوم يوم العيد لا شيء أكثر من هى رسول الله -صلى الله عليه وسلَّم- عن صوم يوم العيد، أمَّا النهي عن صوم يوم السبت فمقرونٌ بعبارةٍ مؤكدةٍ لهذا النهي، ألا وهو قوله -عليه الصلاة والسلام- : ((ولو لم يجد أحدكم إلاَّ لحاء شجرة فليمضغه -أي فليثبت إفطاره لهذا اليوم اتباعاً لأمر الرسول -عليه السلام- هذا التأكيد إن لم يجعل نهيه -عليه السلام- عن صيام يوم السبت أرقى وأعظم وأخطر من صيام يوم العيد، فعلى الأقل أن يجعله مساوياً له؛ فلماذا أخيراً يُفرِّقُ أهل العلم بين صيام يوم السبت فيقولون نحمل الحديث على الإفراد، ولماذا لا تحملون النهي عن صيام يوم العيد على الإفراد؟ ذلك لأن النهي حاظرٌ والحاظر مقدمٌ على المبيح، هذه وجهة نظري في المسألة.

- الحديث، حديث جويرية ألا يبيِّن أنَّ المقصود من قوله: ((لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم))، خاصٌ فيما إذا أفرد، لأن حديث جويرية دل أنها صامت يوم السبت مقروناً مع الجمعة، ثم أيضاً قول الرسول -صلى الله عليه وسلَّم-: ((من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوَّال))، إذا صادف لمصلحة يوم السبت ألا يواصل الإنسان الصيام؟ ويكون يعني صام ستاً متوالية وفيها يوم السبت، وكذلك الأيام البيض إذا جاءت واحدة منها يوم السبت، أو وافق يوم عرفة؟

- هذا في اعتقادي بعضه إعادة للكلام السابق، قلنا عن حديث جويرية أنه مبيحٌ، وحديث النهي عن صوم يوم السبت حاظر، والحاظر مقدمٌ على المبيح، صيام ست من شوَّال لا شك أن هذا الصوم معروفٌ فضله، ولكن إذا صدف أنَّ أحد أيام الست هذه اتفق أنَّه يوم سبتٍ، - وأنا شايف الأستاذ هناك ذاهب وقايم وكأنَّه يعني ينتظرنا فاصبر علينا ويعني ما صبرك إلا بالله- فأقول: إن الذي يريد أن يصوم السبت -كما تقولون- تبعاً ليس إفراداً، أمَّا أنا فأصوم الأيام الست؛ فإذا اتفق فيها يوم سبتٍ لم أصمه، إذا اتفق يوم جمعة مع الخميس صمته، أمَّا إذا اتفق في هذه الأيام الست يوم سبت فلا أصومه، وفي زعمي وأعني ما أقول- أنا خيرٌ وأهدى سبيلاً وأقوم قيلاً حينما لا أصوم يوم السبت من ذاك الذ يصوم يوم السبت، كيوم من الأيام الست، لماذا؟ لأنني لم أترك صيام يوم السبت هوىً، وابتداعاً في الدين وإنَّما تركته لله تبارك وتعالى ورسول الله -صلى الله عليه وسلَّم- فيقول كما تعلمون: ((من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه))، فإذاً أنا مفطر، خير من ذاك الصائم، لأنني تركت صوم هذا اليوم لله -عزَّ وجل- والشاهد بارك الله فيكم، أن نتذكر ما ذكرناه من المثال الواضح، الذي لا يقبل جدلاً مطلقاً، إذا اتفق يوم عيد مع يوم فضيلة، هل نصومه؟ الجواب: لا، توجيه هذا الجواب فقهياً ما هو؟ ليس هناك إلا قاعدة الحاظر مقدم على المبيح، إن كان عند أهل العلم جواب غير هذا؛ فيمكن أن نُعدل رأينا في صيام يوم السبت، أمَّا أن نقع في حيص بيص -كما يقال- فمرَّةً نبيح صيام يوم نهى عن صيامه الرسول -عليه الصلاة والسلام- نهياً مُطلقاً، وخصص إلا فيما افترض عليكم؛ فنقول: وإلاَّ مقروناً بغيره، نتمسك بماذا؟ بأصل، بنص مبيح، لكن هنا النص حاظرٌ، وحاصرٌ إلاَّ فيما افترض عليكم، فصوم يوم العيد إذا صدف يوم فضيلة صوم يوم عرفة إذا صدف يوم فضيلة هل نصومه مع مخالفة النص الناهي؟ نقول: لا، مفرداً؛ نقول: لا، لماذا؟ لأن النهي مقدم على المبيح، الحاظر مقدم على المبيح، إذاً الذي أجد نفسي مطمئناً أن لا أكون مضطرباً في فقهي في علمي، تارةً أستبيح ما نهى عنه الشارع، بدعوى القرن مع يوم آخر، وتارةً لا أعتد بهذا، مع أنَّ الحكم واضحًٌ تماماً.

- التوفيق بين الأدلة، لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم، وقوله: أتصومين غداً ؟ قالت: لا، قال : فأفطري. حديث جويرية.

- بارك الله فيك، أقول: هذه إعادة، أنا أعرف أنَّهم يقصدون التوفيق، ولكن لماذا يخرجون عن هذا التوفيق في صوم يوم العيد؟ الجواب منهي عنه.

- نقول: لا يصام أبداً.

- ليش يا سيدي؟ هذا كلام، لكن الجواب العلمي ما هو؟ لأنه نهى الرسول عنه. قلت آنفاً ما هو الجواب العلمي؟ الحاظر مقدم على المبيح، أمَّا أن نقول: نُهي عنه، فالجواب مُقابل بمثله، أيضاً يوم السبت نهي عنه، وقلنا آنفاً: النهي عن يوم السبت أدق، من نهيه عن صوم العيد، لأنَّه قال إلا في ما افترض عليكم، وإن لم يجد أحدكم إلا لحاء شجرة فليمضغه، هذا ليس طعاماً، لحاء الشجرة، القشر الذي لا نداوة فيه، ولا حلاوة ولا شيء إطلاقاً، ولكن ليثبت عملياً تطاوعه مع النص النبوي الكريم، فهو يأكل ويمضغ هذا اللحاء تحقيقاً لنهي الرسول -عليه السلام- .

مداخلة من أحد الجالسين: بس انت يا شيخ ترى أنه يوم عرفة لو صادف السبت فإنَّه لا يصام!

الألباني: سبحان الله!

- السنة أنَّه لا يصام.

- كيف لا؟ لا يصام، وماذا نتكلم؟

- تفوت على المسلمين خيراً كثيرا!

- لقد نسيتَ ما قلناه آنفا.

- لا لم أنسه . .

- لا نسيته!

- لم أنسه . .

- إذاً أثبت لي، ما هو الذي زعمت أنا أنك نسيته؟ هاته؟

- الجمع بين النصوص . .

- لا لا، ليس هذا فقط . .

- الجمع بين النصوص أولى، يعني أنت يا شيخ قبل قليل، كنت تُذكر على هذه القاعدة، وألا يُلجأ إلى تفويت نص وإبطال العمل به إلا في أحلك المضايق، الآن أبطلنا الحديث الصحيح في ال. .

- سامحك الله! لا تقل أبطلنا، لا تقل هذا.

- إذا وافق يوم عرفة يوم سبت . .

- لا هذِّب لفظك، هذب لفظك، مع الحديث، لا تقل . .

- كلام العلماء -رحمهم الله- في التعبير عن . .

- أنت الآن -بارك الله فيك- جئت بشيء جديد غير ما تفضل به الشيخ عبد المُحسن؟

- بل أؤكد عليه.

- ما جئت بجديد.

- لم أئت بجديد.

- لكن الشيء الجديد أنك ألغيت بعض كلامي السابق، بل على تعبيرك ولسان حالك يقول: هذه بضاعتنا ردَّت إلينا، أبطلت أنت قوله عليه السلام: ((من ترك شئاً لله عوضه الله خيراً منه))، نحن تركنا صيام يوم عرفة في مثالك لله -تبارك وتعالى-؛ فهل تظن ظن السوء بالله -عزَّ وجل- أنَّه لا يكافينا بخير مما يكافي الصائمين ليوم عرفة وأنا تركته لله، هذا الذي قلت لك أنك نسيته . .

- ما نسيته يا شيخ، لا لم أنسه.

- ولكن لما طلبتك ما أبديت.

مُداخلٌ آخر: المثال الذي يعني الشيخ ذكره من أنه يوم العيد يعني لو وافق يوم الإثنين، أو يوم الخميس، الحقيقة يعني أنَّ هذا، يجعل . . وإن كنت سابقاً يعني لا أتفق مع الشيخ، ولكن هذا الاستدلال الآن . .

- الألباني: لا هذا واضح بارك الله فيك، لكن الناس يغلب ..

- ولكن هذا صيام فضيلة واضح جداً، إذا وافق يوم عيد لا يُصام . .

- مُداخل من شخص يجلس بعيداً عن المسجل: هذا ينطبق على قاعدة الحاظر مُقدمٌ على المبيح تماماً.

الألباني: لا مش تماماً، مش تمام، وإنَّما تارةً وتارة।
العبَّاد: فضيلة الشيخ -حفظكم الله- لا أدري هل تعلمون أحداً من العلماء قال: لا يجوز صيام يوم السبت تطوُّعاً مُطلقا لا منفرداً ولا مقروناً بغيره؟

الألباني: أولاً أقول لكم، إن كنت تعتبر راوي الحديث من العلماء، فالجواب نعم.

العبَّاد: أقول غيركم من القدماء.

الألباني: نعم، أقول: راوي الحديث، الصحابي.

العبَّاد: لا بس الصحابي ما قال أنَّه فهم كفهمكم.

- ماذا قال؟

- جاب الحديث ويمكن أن يكون محمولاً على ما يتفق مع حديث جويرية.

- لا ليس كذلك، أنا أعني شيئاً آخر، وهو أنَّه يقول: إنَّ الذي يصوم يوم السبت، لا صام ولا أفطر.

- هذا محمول يعني على أنه إذا أفرده بالصيام.

- هذا محمول عندك.

- أمَّا نحن نتكلم عنده.

- وعند غيره أيضاً كذلك.

- لا لا، أنا أقول عن راوي الحديث. هذا المحمول هو عندك، ما فيه خلاف.

- رواي الحديث . . هذا لا ينطبق إلا على من يقول يعني قضى يعني شيء واجب عليه، وأمَّا إذا كان [كلام سريع] فقضى شيئاً يعني واجباً عليه فلا يتطوع به إلا مقروناً مع غيره كيوم الجمعة.

- على كل حال، ما تؤاخذني يا شيخ عبد المحسن. .

- لا ما فيه مؤاخذة.

- إذا قلت أنَّ هذا تكرار بارك الله فيك، أنت الآن أخيراً سألتني: هل قال أحد بهذا؟

أنا أقول نعم قال به كثير من المتقدمين والمتأخرين، لكنني علوت فرجعت إلى راوي الحديث، وقلت إنه قال: (( بأنَّ الذي يصوم يوم السبت لا صام ولا أفطر))، وهذا اقتباسٌ منه من قوله عليه الصلاة والسلام في من صام الدهر: (( لا صام ولا أفطر))، فهل تأمرون صائم الدهر بأن يصوم أم بأن يفطر؟ لا شك بأن قولكم في هذه المسألة أنكم تأمرونه بأن لا يصوم الدهر . .

مقاطعٌ يتكلم: الحديث . .

الألباني: إذا سمحت، إذا سمحت، الكلام الآن مع الشيخ عبد المحسن.

المقاطع: تفضل . .

الألباني: ما أظن أنكم تخيرون، أو بالأحرى أنَّكم ترجحون صيام يوم الدهر لانَّه صيام وتقرُّب إلى الله -عزَّ وجل- مع علمكم بقوله-عليه السلام-: ((من صام الدهر فلا صام ولا أفطر))؛ فإذن صيام الدهر مرجوحٌ، كذلك حينما نعود إلى راوي الحديث فيقول: (( من صام يوم السبت فلا صام ولا أفطر))، فماذا نفهم من هذا الحديث؟ أنَّه يحض على صيام يوم السبت؟ أم على إفطاره؟

- العبَّاد: على إفطاره إذا أفرده، يعني الإفراد فعليه أن يفطر.

- يا شيخ أنت -جزاك الله خير- تفرض على راوي الحديث ما هو قائمٌ في ذهنك.

- العبَّاد مقاطعاً: . .

- إذا سمحت، معليش، أنا أريدك أن تأتي بعبارة تضمها إلى عبارة هذا الراوي تلتقي هذه العبارة مع عبارتك، أمَّا أن تحمل قوله على عبارتك أنت، فهذا تحميلٌ للعبارة ما لا تتحمل، على أني أقول أخيراً، قول الرسول -عليه السلام- أبلغ عندي وأفصح وآكد في النهي من قول هذا الراوي، لكن الراوي نستطيع أن نقول: تفنن في التعبير، ولفت النظر إلى قول الرسول -عليه السلام- : ((من صام الدهر فلا صام ولا أفطر))، تفنن في التعبير: أي ليس له أجر، وليس له ثواب، هذا الكلام من هذا الرواي انا في الحقيقة مما يفيدني جداً، ويُفضل إفطاري على صيام الآخرين، ذلك لأن هذا الصحابي يقول: صيام الآخرين كصيام الدهر، لا صام ولا أفطر، أمَّا أنا فتركت صيام يوم السبت لله، فالله يعوضني خيراً منه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مُداخل: حديث صيام يوم وإفطار يوم ما يختلف على هذا؟

الألباني وهو يقوم من المجلس: بارك الله فيك، لا تزال تدور في النصوص العامة، في فلك النص العام، النص العام تطرأ عليه النصوص، وهذا ما كنا نتكلم فيه.

الألباني: أعتذر عن الشيخ فإني تقدمت بين يديك.

العبَّاد: وأنت أكبر مني سناً وعلماً" انتهى بحمد الله.

http://www.alalbany.net/albany_tapes_hoda_noor_02.php

الشريط- 366-

حكم خلع المرأة ملابسها في محلات الملابس

الأجوبة الألبانية على الأسئلة الاسترالية

حكم خلع المرأة ملابسها في محلات الملابس

السؤال: بالنسبة لخلع المرأة ملابسها في محل البيع والشراء، هل ينطبق عليها حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة نزعت ثيابها ... الحديث)؟ الجواب: أولاً: أنا أفهم من هذا الحديث بخلع الثياب كلياً، أي: أن تتعرى. السائل: وهذا لا يحصل في المحل، وإنما خاص بالحمام. الشيخ: لا تقاطعني، أنا لم أنته بعد، أنا قلت: أولاً، وأولاً تعني أن بعدها ثانياً، وقد تعني أن بعدها ثالثاً والله أعلم. أولاً: الحديث ينصب على المرأة التي تتجرد عن ثيابها كلياً، ولذلك استدل به على تحريم دخول المرأة الحمام خارج دارها، مع ذلك أنا أقول: إذا اضطرت المرأة لأن تستحم في دار غير دار أهلها وذويها ومحارمها، حينذاك ينبغي النظر في تأمين سد الذريعة؛ لأن هذا الحكم ليس تعبدياً محضاً، لا تعرف الحكمة أو العلة في نهي الرسول عليه السلام أن المرأة تتعرى، بل هذا معقول المعنى؛ لأن ذلك قد يعرضها لأن تفتن في عرضها، فإذا كان هناك محرم يصونها فيما إذا أريد أن يعتدى عليها؛ فحينئذٍ يزول المنع، فإذا وجد مثل هذا المانع ولو بطريق غير المحرم، كأن تكون -مثلاً- في دار هي على يقين أنه ليس فيها رجال؛ فيجوز لها أن تستحم بعد أن تأخذ -أيضاً- الحيطة بأن لا أحد حتى من النساء يطلع على عورتها.. إذا عرفنا النص وفقهه يمكننا الآن أن نتوصل إلى الإجابة عن السؤال مباشرة. فأقول: هذه الغرف التي تتخذ في أماكن التجارة للألبسة، إذا كانت أولاً: ليس فيها عيون تتجسس وتراقب من يدخل في هذه الغرفة من النساء، فإننا نسمع أن هناك بعض الصالات التي تتخذ في بعض الفنادق الكبيرة والضخمة لإقامة حفلات الزواج والبناء، فيها كاميرات توضع في بعض الزوايا بحيث لا ينتبه لها الجالسون في تلك الصالة، لكنها تصور، ومن كان في الصالة لا يشعر وهم يقولون: لا يوجد أحد. لكن هناك آحاد وعيون لا تُرى ولكنها ترى، فيشترط أن تكون هذه الغرف مؤمنة ولا يوجد فيها مثل هذه العيون المراقبة. وثانياً: يكون مع هذه المرأة ولو خارج الغرفة من محارمها أو من صديقاتها، بحيث أنها تأمن على نفسها ألا يطرأ عليها طارئ، وبهذه التحفظات يمكن أن يقال بجواز دخول المرأة المسلمة وقياس الثوب الذي تريد أن تشتريه. لكني أقول: لا أرى للمرأة المسلمة أن تهتم بنوعية لباسها، بحيث أنه لا يمكن أن ترضى به إلا بعد أن تلبسه كتجربة؛ لأنني أفهم أن المقصود من هذا كله أن تكون الثياب ضيقة عليها وألا تكون فضفاضة، وهذا معاكسة لحكم الشرع، حيث يشترط في ثيابها ألا تكون شفافة، وألا تكون مجسمة أيضاً، ولذلك فأنا أتصور أن مجرد الدخول في مثل هذه الغرفة مع كل التحفظات التي اشترطناها لا تخلو من مخالفٍ للشرع. مداخلة: عفواً يا شيخنا! مصداقاً لما قلتم بارك الله فيك، في عمَّان رجل أتى بأهله لكي يبني بها في فندق، فصورت ليلة الدخلة تصويراً كاملاً، وافتضح الأمر، وتم إغلاق الفندق على إثر هذه الحادثة، فكان يوزع هذا الشريط بمئات الدنانير. الشيخ: هذا في بلاد الإسلام فما بالك في بلاد الكفر والطغيان؟!! السائل: يا شيخ! كنت أبحث في هذه المسألة بصفتي بائع ملابس، فيفهم من كلامك أنك ذكرت أن يكون المحل ثقة، وأن يكون المحرم موجوداً، لكن في أستراليا لا تتوفر مثل هذه الثقة من حيث التجار؛ لأن أكثرهم كفار. السائل: يا شيخ! بعض المتاجر فيها كاميرات التصوير لمراقبة الزبائن، وتوضع الكاميرات كذلك في غرف القياس، حتى لا يسرق الزبون الملابس ويلبسها تحت ملابسه التي دخل بها. ......

13‏/12‏/2009

التلحين والتمطيط في الأذان

التلحين والتمطيط في الأذان

ما الحكم في التغني بالآذان والتمطيط في أحرف العلة؟ إن الحديث الذي يتناول حرمة الغناء يتضمن أيضا أخذ المال (عليه). هل التغني بالأذان حرام بعينه أم لا؟.


الحمد لله

لا يجوز التغني بالأذان والتطريب به ، وليس هو كحرمة الغناء ، بل هو متردد بين الكراهة والتحريم إلا أن يغيِّر المعنى فيحرم .


1. قال زين الدين العراقي :

والمستحب أن يترسل في الأذان ، … ويكره التمطيط وهو التمديد [ والتغني ] وهو التطريب ، لما روي أن رجلا قال لابن عمر " إني لأحبك في الله قال : وأنا أبغضك في الله إنك تبغي في أذانك " قال حماد يعني التطريب .

2. قال ولي الدين العراقي :

قال الشاشي في " المعتمد " : الصواب أن يكون صوته بتحزين وترقيق ليس فيه جفاء كلام الأعراب ولا لين كلام المتماوتين … قال صاحب " الحاوي " : البغي تفخيم الكلام والتشادق فيه ، قال : ويكره تلحين الأذان ؛ لأنه يخرجه عن الإفهام ولأن السلف تجافوه ، وإنما أُحدث بعدهم .

" طرح التثريب " ( 3 / 118 - 120 ) .

3. قال ابن الحاج :

فصل في النهي عن الأذان بالألحان

وليحذر في نفسه أن يؤذن بالألحان وينهى غيره عما أحدثوا فيه مما يشبه الغناء ، وهذا ما لم يكن في جماعة يطربون تطريبا يشبه الغناء حتى لا يعلم ما يقولونه من ألفاظ الأذان إلا أصوات ترتفع وتنخفض وهي بدعة مستهجنة قريبة العهد بالحدوث أحدثها بعض الأمراء بمدرسة بناها ثم سرى ذلك منها إلى غيرها وهذا الأذان هو المعمول به في الشام في هذا الزمان وهي بدعة قبيحة إذ إن الأذان إنما المقصود به النداء إلى الصلاة فلا بد من تفهيم ألفاظه للسامع ، وهذا الأذان لا يفهم منه شيء لما دخل ألفاظه من شبه الهنوك والتغني ، وقد ورد في الحديث عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " … وقال الإمام أبو طالب المكي رحمه الله في كتابه ومما أحدثوه التلحين في الأذان وهو من البغي فيه والاعتداء ، قال رجل من المؤذنين لابن عمر : إني لأحبك في الله ، فقال له : لكني أبغضك في الله ، فقال : ولم يا أبا عبد الرحمن ؟ قال : لأنك تبغي في أذانك ، وتأخذ عليه أجرة ، وكان أبو بكر الآجري رحمه الله يقول خرجت من بغداد ولم يحل لي المقام بها قد ابتدعوا في كل شيء حتى في قراءة القرآن وفي الأذان يعني الإجارة والتلحين انتهى .

" المدخل " ( 2 / 245 ، 246 ) .

4. قال في " المدونة " : ويكره التطريب في الأذان ، قال في " الطراز " : والتطريب : تقطيع الصوت وترعيده ، وأصله خفة تصيب المرء من شدة الفرح أو من شدة التحزين ، وهو من الاضطراب أو الطربة ، قال في " العتبية " : التطريب في الأذان منكر ، قال ابن حبيب : وكذلك التحزين من غير تطريب ولا ينبغي إمالة حروفه والتغني فيه ، والسنة فيه أن يكون محدراً معلنا يرفع به الصوت انتهى ، وقال ابن فرحون : والتطريب : مد المقصور ، وقصر الممدود ، وسمع عبد الله بن عمر رجلا يُطرِّب في أذانه ، فقال: لو كان عمر حيّاً فكَّ لحييك انتهى ، وقال ابن ناجي : يكره التطريب ؛ لأنه ينافي الخشوع والوقار ، وينحو إلى الغناء ، والكراهة في التطريب على بابها إن لم تتفاحش وإلا فالتحريم ، وألحق ابن حبيب التحزين بالتطريب ، نقله أبو محمد .

… فتحصل من هذا أنه يستحب في المؤذن أن يكون حسن الصوت ، ومرتفع الصوت ، وأن يُرجع صوته ، ويكره الصوت الغليظ الفظيع ، والتطريب والتحزين إن لم يتفاحش وإلا حرم .

" مواهب الجليل " لحطاب ( 1 / 437 ، 438 ) .

5. قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله :

ثم التمديد الزائد عن المطلوب في الأذان ما ينبغي ، فإن أحال المعنى : فإنه يبطل الأذان ، حروف المد إذا أعطيت أكثر من اللازم : فلا ينبغي ، حتى الحركات إذا مدَّت : إن أحالت المعنى : لم يصح وإلا كره " .

" فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم " ( 2 / 125 ) .

6. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

الملحن : المطرَّب به ، أي : يؤذن على سبيل التطريب به كأنما يجر ألفاظ أغنية : فإنه يُجزئ لكنه يكره .

الملحون : هو الذي يقع فيه اللحن ، أي : مخالفة القواعد العربيَّة ، ولكن اللحن ينقسم إلى قسمين :

قسم لا يصح معه الأذان ، وهو الذي يتغير به المعنى .

وقسم يصح به الأذان مع الكراهة ، وهو الذي لا يتغير به المعنى ، فلو قال المؤذن " الله أكبار " لا يصح ؛ لأنه يحيل المعنى ، فإن " أكبار " جمع كَبَر ، كأسباب جمع سبب وهو " الطبل " .

" الشرح الممتع " ( 2 / 62 ، 63 ) .

والله أعلم.

الإسلام سؤال وجواب

الشيخ محمد صالح المنجد




حَدِيثُ الْيَوْم / الـــســـبـــت / 25/12/1430هـ


بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمْ

السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ

حَدِيثُ الْيَوْم / الـــســـبـــت / 25/12/1430هـ

رَبِّ اغْفِرْ لِيَّ وَلِوَالِدَيَّ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِيْ صَغِيْرَا

اللهمَّ ارْزُقْنِي الْفِرْدَوْسَ الأعلى مِنْ غَيْرِ عِتَابٍ ولا حِسَابٍ ولا عَذَابْ


-----------------------



( كـــتـــابُ الـــجـــهـــاد والـــســـيـــر)


بابُ: (الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة)



-----------------------


عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا – ‏قَالَ:


‏ قَالَ رَسُولَ اللَّهِ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:


"الْخَيْلُ فِي ‏نَوَاصِيهَا ‏الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ".



* رواهـ الـبـخـاري.



-----------------------



(فـــائـــدة)


والخيل آلة الجهاد إلى قيام الساعة، عليها يجاهد المسلمون، فينتصرون ويغنمون ويثابون.



-----------------------

وأسأل الله لي ولكم التوفيق

وشاكر لكم حُسْن متابعتكم

وإلى اللقاء في الحديث القادم "إن شـاء الله"

11‏/12‏/2009

فتوى هامّة للعلاّمة الألباني حول أحكام التجويد

فتوى هامّة للعلاّمة الألباني حول أحكام التجويد



--------------------------------------------------------------------------------





سؤال : يكثر الكلام في الساحة عن أحكام التجويد وتطبيق هذه الأحكام ، حيث إن هناك بعض العلماء يقولون بوجوبه، مع أن بعض هذه الأحكام مختلف فيها عند أئمّة هذا العلم، فما رأيكم بمشروعيّة هذه الأحكام ومدى ثبوت أدلّتها في الكتاب والسنة ؟



فأجاب العلاّمة الألباني رحمه الله : لقد تلقّى الناسُ قراءة القرآن الكريم خلفاً عن سلف بهذه الطريقة المعروفة بـ( أحكام التجويد )، وأحكام التجويد أصلاً هي قواعد للنطق العربي، حيث كان العربي الأصيل ينطق كلامه بهذه الطريقة كلاماً أو قراءة، ومع تقدّم الناس وتطاول عهدهم بأصول العربية واختلاط العرب بالأعاجم ممّا سبّب فشوّ اللحن، واستعجام العرب فضلاً عن العجم، وخُصَّ الاهتمام بتعليم هذه الأحكام في مجال قراءة القرآن الكريم .



أمّا ما ذكره السائل أن الأئمّة اختلفوا في بعض أحكام التجويد؛ فهذا صحيح فعلاً،

فمنهم من رأى المدّ المنفصل مطلقاً،

ومنهم من يمدّه ثلاث حركات،

ومنهم أربعاً،

ومنهم من يُشبع مَدَّ هذا النوع كغيره،

ومنهم من أعمل إخفاء النون والتنوين مع الغين والخاء،

ومنهم من أظهرهما مع هذين الحرفين، وهم الأكثرون،

ومنهم من جعل إدغام النون كلّه بغير غنّة، حتى مع الواو والياء، وقَصَرَ إدغام الغنة على التنوين حتى وَسّع إدغام الغنّة مع التنوين حتى مع اللام والراء،

ومنهم من أمال ذوات الياء،

ومنهم من قلّل الإمالة، وهو ما يُسَمّى عندهم بالتقليل؛ وهي مرحلة من الإمالة بين الفتح والإمالة،

ومنهم من أعمل الإشمام فيما عيّنه ياء من المبني للمجهول،

ومنهم من فخّم اللام مع بعض الحروف،

ومنهم من رقّق الراء المفتوحة إذا جاورت الياء أو المكسور،

ومنهم من يمدّ أي يُشبع مد البدل،

... إلى آخر ما هنالك .



وسبب هذه الاختلافات أيضاً هو تابعٌ لأحكام النطق بالعربية، فهذه الأحكام موزّعة في أحكام القراءات، ومعلوم أن اختلاف القراءات هو أصلاً من اختلاف طريقة النطق بالكلمة عند العرب، فإنه كان من تيسير الله عزّ وجلّ على هذه الأمّة في كتابه أن أنزله على سبعة أحرف كما جاء في الأحاديث الصحيحة المتواترة في هذا الباب، منها قوله صلى الله عليه وسلّم: " إن هذا القرآن أُنزِلَ على سبعة أحرف " ( متفق عليه )، وغيره من عشرات الأحاديث المبثوثة في جميع كتب السنة؛ كالبخاري ومسلم وأحمد والترمذي وأبي داود وغيرهم، وهذه الأحرف كما وصفها الرسول في حديثٍ آخر حيث قال صلّى الله عليه وسلّم : " أُنزِل القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف، كلّها شافٍ كافٍ " ( صحيح الجامع 1496 )، فهذا الاختلاف الواقع بين الأئمّة في أحكام التجويد هو من هذا الباب، ولا يضُرُّ هذا الخلاف في شيءٍ أبداً .



وعلى الإنسان أن يقرأ القرآن بأحكام التجويد، لأن الله تعالى يقول : ورتّل القرآن ترتيلاً ، فإذا قرأته كما تقرأ أيّ كتابٍ آخر لم تكن ترتّله، فلا بدّ من قراءته بأحكام التجويد، والخطأ في أحكام التجويد يُسَمّيه العلماء باللحن الخفي، فعلى الإنسان أن يعتني بتعلّم كيفيّة قراءة القرآن بالطريقة الصحيحة، أمّا إذا علم خلافاً ما في حكمٍ ما؛ فعليه أن يلتزم بما تعلّمه من شيوخه لئلاّ يقع في الفوضى، وألاّ يترك الطريقة التي تعلّمها من مشايخه رغبةً عنها لاعتقادٍ منه أن غيرها أصحّ منها، فكلّها صحيحة، وكلّها كما وصف الرسول صلّى الله عليه وسلّم : " شافٍ كافٍ " .



أمّا أن يُطلَب الدليلُ من الكتاب والسنة على هذه الأحكام؛ فهذا الطلبُ أصلاً خطأ ، لأن هذه الأحكام كلّها وصلتنا بالتواتر العملي، فنحن تعلّمنا قراءة القرآن من أشياخنا وآبائنا بهذه الطريقة، وهم تعلّموا بنفس الطريقة من مشايخهم وآبائهم، وهكذا إلى عهد الصحابة الذين أخذوه عن الرسول .



وفي هذا القدر كفاية، والحمد لله أولاً وآخراً .


10‏/12‏/2009

قيمة الآذان ~~ للشيخ / محمد حسان




قيمة الآذان

للشيخ / محمد حسان


للمشاهدة أو الاستماع أو التحميل

اضغط هنـــــا

9‏/12‏/2009

حَدِيثُ الْيَوْم / الأربـــعـــاء / 22/12/1430هـ

السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ

حَدِيثُ الْيَوْم / الأربـــعـــاء / 22/12/1430هـ

رَبِّ اغْفِرْ لِيَّ وَلِوَالِدَيَّ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِيْ صَغِيْرَا

اللهمَّ ارْزُقْنِي الْفِرْدَوْسَ الأعلى مِنْ غَيْرِ عِتَابٍ ولا حِسَابٍ ولا عَذَابْ

-----------------------


( فـــَـــضْــــلُ الـــصَّـــوْم فـــي ســـبـــيـــل الله)


-----------------------

‏عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – ‏قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:


"مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَعَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا".

* رواهـ الـبـخـاري.


-----------------------


وأسأل الله لي ولكم التوفيق


وشاكر لكم حُسْن متابعتكم


وإلى اللقاء في الحديث القادم "إن شـاء الله"

8‏/12‏/2009

حَدِيثُ الْيَوْم / الـــثـــلاثـــاء / 21/12/1430هـ


بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمْ

السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ

حَدِيثُ الْيَوْم / الـــثـــلاثـــاء / 21/12/1430هـ

رَبِّ اغْفِرْ لِيَّ وَلِوَالِدَيَّ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِيْ صَغِيْرَا

اللهمَّ ارْزُقْنِي الْفِرْدَوْسَ الأعلى مِنْ غَيْرِ عِتَابٍ ولا حِسَابٍ ولا عَذَابْ


-----------------------


( كـــتـــابُ الـــجـــهـــاد والـــســـيـــر)


بابُ: (حـــفـــر الـــخـــنـــدق)


-----------------------


‏عَنْ ‏أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ ‏الْبَرَاءِرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُقَالَ:


رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏يَوْمَ الْأَحْزَابِ يَنْقُلُ التُّرَابَ وَقَدْ ‏وَارَى التُّرَابُ بَيَاضَ بَطْنِهِ وَهُوَ يَقُولُ:


لَوْلَا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا ‏


‏فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا وَثَبِّتْ الْأَقْدَامَ إِنْ لَاقَيْنَا


إِنَّ الْأُلَى ‏قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبـَيـْنَـا


وربما قال: (الـْـمَـلا).


ويرفع بها صـوته.


* رواهـ الـبـخـاري.


--------------------------------------------


يستفاد من الحديث تواضعه صلى الله عليه وسلم مع المفضول، فيعمل معه ويعينه.


حيث أنه في يوم الأحزاب وحفر الخندق كان ينقل التراب معهم ويعمل معهم، وهذا بلا أدني شك هو من تواضعه عليه أفضل الصلاة والتسليم


‏وَفِي هَذَا الْحَدِيث اِسْتِحْبَاب الرَّجَز وَنَحْوه مِنْ الْكَلَام فِي حَال الْبِنَاء وَنَحْوه.


وَفِيهِ عَمَل الْفُضَلَاء فِي بِنَاء الْمَسَاجِد وَنَحْوهَا، وَمُسَاعَدَتهمْ فِي أَعْمَال الْبِنَاء.


وأسأل الله لي ولكم التوفيق


وشاكر لكم حُسْن متابعتكم


وإلى اللقاء في الحديث القادم "إن شـاء الله"

7‏/12‏/2009

كيف تصبر على البلاء ؟

للإمام ابن قيّم الجوزية رحمه الله


الصبر على البلاء ينشأ من أسباب عديدة

أحدها : شهود جزائها وثوابها.

الثاني : شهود تكفيرها للسيئات ومحوها لها.

الثالث : شهود القدر السابق الجاري بها، وأنّها مقدّرة في أمّ الكتاب قبل أن تخلق، فلا بدّ منها؛ فجزعه لا يزيده إلا بلاءً.

الرابع : شهوده حقِّ الله عليه في تلك البلوى، وواجبه فيها الصبرُ بلا خلاف بين الأمة، أو الصبر والرضا على أحد القولين. فهو مأمور بأداء حقِّ الله وعبوديته عليه في تلك البلوى، فلا بدَّ له منه، وإلا تضاعفت عليه.

الخامس : شهود ترتّبها عليه بذنبه، كما قال الله تعالى: ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ فهذا عامٌّ في كلّ مصيبة دقيقة وجليلة، فشغله شهود هذا السبب بالاستغفار الذي هو أعظم الأسباب في رفع تلك المصيبة. قال علي بن أبي طالب: ( ما نزل بلاءٌ إلاّ بذنب، ولا رُفِع بلاءٌ إلاّ بتوبة ).

السادس : أن يعلم أنّ الله قد ارتضاها له واختارها وقسَمها، وأنّ العبودية تقتضي رضاه بما رضي له به سيّدُه ومولاه. فإن لم يُوفِ قدر هذا المقام حقَّه، فهو لضعفه؛ فلينزل إلى مقام الصبر عليها. فإن نزل عنه نزل إلى مقام الظلم وتعدّى لحق.

السابع : أن يعلم أنّ هذه المصيبة هي دواءٌ نافع ساقه إليه الطبيبُ العليمُ بمصلحته الرحيمُ به، فليصبرْ على تجرعه، ولا يتقيأْه بتسخّطه وشكواه، فيذهبَ نفعه باطلاً.

الثامن : أن يعلم أنّ في عُقبى هذا الدواءِ من الشفاءِ والعافية والصحة وزوال الألم ما لا تحصل بدونه. فإذا طالعت نفسه كراهية هذا الداءِ ومرارته فلينظر إلى عاقبته وحسن تأثيره. قال تعالى: ﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ وقال الله تعالى: ﴿ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا وفي مثل هذا القائل:

لعلَ عتَبك محمودٌ عواقبُه ... وربّما صحّت الأجسامُ بالعِلَلِ

التاسع : أن يعلم أنّ المصيبة ما جاءَت لِتُهلِكَه وتقتلَه، وإنما جاءَت لتمتحن صبره وتبتليه، فيتبيّن حينئذ هل يصلح لاستخدامه وجعله من أوليائه وحزبه أم لا؟ فإن ثبت اصطفاه واجتباه، وخلع عليه خِلَع الإكرام، وألبسه ملابس الفضل، وجعل أولياءَه وحزبه خدَماً له وعوناً له. وإن انقلب على وجهه ونكص على عقبيه طُرِدَ، وصُفِع قفاه، وأُقصي، وتضاعفت عليه المصيبة. وهو لا يشعر في الحال بتضاعفها وزيادتها، ولكن سيعلم بعد ذلك بأن المصيبة في حقه صارت مصائب، كما يعلم الصابر أن المصيبة في حقه صارت نعماً عديدة. وما بين هاتين المنزلتين المتباينتين إلا صبر ساعة، وتشجيع القلب في تلك الساعة. والمصيبة لا بد أن تقلع عن هذا وهذا، ولكن تقلع عن هذا بأنواع الكرامات والخيرات، وعن الآخر بالحرمان والخذلان. لأن ذلك تقدير العزيز العليم، وفضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.

العاشر : أن يعلم أنّ الله يربي عبده على السرّاءِ والضرّاءِ، والنعمة والبلاءِ؛ فيستخرج منه عبوديته في جميع الأحوال، فإنّ العبد على الحقيقة من قام بعبودية الله على اختلاف الأحوال. وأما عبد السراء والعافية الذي يعبد الله على حرف، فإن أصابه خير اطمأنّ به، وإن أصابته فتنةٌ انقلب على وجهه؛ فليس من عبيده الذين اختارهم لعبوديته. فلا ريب أن الإيمان الذي يثبت على محكّ الابتلاءِ والعافية هو الأيمان النافع وقت الحاجة، وأما إيمان العافية فلا يكاد يصحب العبدَ ويبلّغه منازلَ المؤمنين، وإنّما يصحبه إيمانٌ يثبت على البلاء والعافية.

فالابتلاء كيرُ العبد ومحكّ إيمانه: فإمَّا أن يخرج تِبراً أحمر، وإما أن يخرج زَغَلاً محضاً، وإما أن يخرج فيه مادتان ذهبية ونحاسية، فلا يزال به البلاءُ حتى يخرج المادة النحاسية من ذهبه، ويبقى ذهبا خالصا.

فلو علم العبد أن نعمة الله عليه في البلاء ليست بدون نعمة الله عليه في العافية لشغلَ قلبه بشكره، ولسانه بقوله: ( اللّهم أعنِّي على ذكرك وشكر وحسن عبادتك ). وكيف لا يشكر مَن قيَّضَ له ما يستخرج به خَبَثه ونحاسه، ويُصيّره تِبراً خالصاً يصلح لمجاورته والنظر إليه في داره؟.

فهذه الأسباب ونحوها تثمر الصبرَ على البلاءِ، فإنْ قويت أثمرت الرضا والشكر.

فنسأل الله أن يسترنا بعافيته، ولا يفضحنا بابتلائه بمنه وكرمه.

نقله لكم

من كتاب طريق الهجرتين وباب السعادتين ( 2 / 600 )

۞ أقرأ أيضاً ::

ماذا تفعل إذا أصابك مكروه ؟ الإمام ابن قيم الجوزية
أنواع المواساة للمؤمنين الإمام ابن قيم الجوزية
لربي الحمد الإمام ابن قيم الجوزية
أسباب شرح الصدور الإمام ابن قيم الجوزية
بذنوبنا سُلِّط علينا عدونا الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز
أسباب النصر الحقيقية العلامة الشيخ ابن عثيمين
حرمة التشبه بالكفار هيئة كبار العلماء