31‏/3‏/2010

حكم المبادلة في الزواج مع إستيفاء شروط النكاح

حكم المبادلة في الزواج مع إستيفاء شروط النكاح

السؤال: ما حكم الشرع في أن يزوج الرجل ابنته إلى ولد الرجل الآخر، والرجل الآخر يزوج ابنته إلى ولد الرجل الأول، وكل واحدة لها صداق، ولو ترك أحد الأزواج زوجته ليس للثانية علاقة بها، ولا تضر بتلك، وهناك زوجتان قد أنجبتا عدة أولاد وبعد مضي خمسة وعشرين عاماً أفتى أحد العلماء بأنه يجب التفريق بين كل من الزوجين وزوجاتهم، فهل هذا صحيح أم خطأ؟



الجواب: يقول العلماء: الفتوى على قدر النص، إذا كان السائل قد حرر الواقعة تحريراً صحيحاً فالجواب أن هذا النكاح صحيح، وذلك لأن من يشير إليه من بعض المشايخ لما حكم بوجوب فسخ هذا النكاح، تصور أن هذا النكاح كان شغاراً، وقد نهى الرسول عليه الصلاة والسلام في غير ما حديث واحد عن الشغار، وقال: (لا شغار في الإسلام) إلا أن العلماء اختلفوا في الشغار في حقيقته ما هو؟ هو في الأصل: تبادل رجل عنده بنت وآخر عنده بنت، فكل واحد يأخذ بنت الثاني، هذا هو أصل الشغار، بعد ذلك يأتي الخيار، وليس بصورة خاصة في البنت؛ واحد عنده أخت والآخر عنده أخت، فكل واحد يأخذ أخت الآخر، هذا من الشغار، لكن تمام الشغار أن يجعل كلٌ منهما مهره الذي يجب عليه هو أخته أو بنته التي يقدمها للآخر، فكأن التبادل بضاعة ومقايضة، وهذا لا يجوز في الإسلام؛ لأن في هذا تعطيل حق البنت الذي هو المهر، ومن هنا يبدأ الخلاف إذاً: من تمام الشغار أن أحد الزوجين يغضب لسبب من زوجته فيطلقها، فتذهب إلى أخيها أو أبيها، فيقوم ذاك بالتالي بدوره ويطلق التي عنده من أخت أو بنت، وهكذا يكون الشغار سبباً لزيادة الفرقة، ووقوع الطلاق بين المتزوجين، هذا هو الشغار المعروف في الجاهلية والذي نهى عنه الرسول عليه الصلاة والسلام أما إذا لم يكن من هذا الشغار سوى مجرد تبادل مع القيام بكل شروط النكاح أنا عندي أختي وأعطيت زيداً من الناس هذه الأخت، وهو بالمقابل أعطاني أخته، لكن كل واحد منا أعطى ما يجب عليه من مهر، هذا من جهة، ومن جهة أخرى: لا يربط طلاق زوجته بالأخرى، كأن تسوء علاقته مع زوجته فتسوء علاقة الأخرى مع زوجها، فإذا كان هذا الزواج مجرد تبادل بدون مراد لتمام الشغار الجاهلي، فقط واحد أخذ قريبة وأعطى بنته أو أخته لقريبٍ له، هذا لا حرج فيه إطلاقاً ما دام أن المهر موجود، وما دام أن الشرط في التطليق في المقابلة أيضاً غير وارد، فإذا كانت الحادثة كما ذكر الرجل على حسب ما فهمت، فهذا النكاح ليس شغاراً ما دام كل واحد دفع المهر، وكل واحد التزم الآداب الشرعية بينه وبين زوجته، لكن أخشى ما نخشى أن يكون في الحادثة شيء من التفاصيل لم يستوعبها السائل، أو ربما استوعبها السائل لكن الشيخ المفتي ما استوعب ذلك، فأفتى بفساد هذا النكاح وبطلانه. ......

29‏/3‏/2010

حقيقة لا إله إلا الله

فضيلة الشيخ صالح الفوزان

فضل كلمة : لا إله إلا الله

n كلمة خفيفة على اللسان ثقيلة في الميزان.

n أساس الإسلام والملة.

n أنها لا يساويها شيء في السماء والأرض من المخلوقات .

n أن من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة.


أسماء لا إله إلا الله

n كلمة التقوى।

n العروة الوثقى.

n كلمة الإسلام.

n كلمة التوحيد.

مواضع ذكر لا إله إلا الله

n ذكرت بلفظها في القرآن الكريم في موضعين :

q الأول : ( إنّهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون ).

q الثاني : ( فاعلم أنّه لا إله إلا الله ) ।

n مواضع ذكرها بمعناها في القرآن الكريم : القرآن كله يدور على معنى هذه الكلمة ،

q من ذلك قوله تعالى ( فمَنْ يكفرْ بالطاغوت ويُؤمِنْ بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها ). فالكفر بالطاغوت هو معنى (لا إله)، والإيمان بالله هو معنى ( إلا الله )

q ( وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون * إلا الذي فطرني فإنه سيهدين ). البراءة من عبادة الأصنام هو معنى ( لا إله ) ، وعبادة الله وحده هو معنى ( إلا الله ).

q ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) هذه الآية فيها حصر العبادة لله عز وجل ونفيُها عما سواه.

معنى لا إله إلا الله

n معنى لا إله إلا الله : لا معبود بحق إلا الله وليس معناها لا خالق إلا الله.

n وتوضيح ذلك : أن معناها هو نفي العبادة عما سوى الله وإثباتها لله سبحانه وتعالى ، قال عليه السلام ( من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم دمه وماله وحسابه على الله ) فإذا قلت: لا إله إلا الله فمعنى ذلك : أنك أبطلت عبادة كل ما سوى الله من القبور والأحجار والأشجار والأولياء والصالحين والجن والإنس والأحياء والأموات ، أبطلت عبادتهم كلهم بدون استثناء ، وأثبت العبادة لله وحده لا شريك له . هذا معنى كلامك إذا قلت لا إله إلا الله ، أما إذا قلت لا إله إلا الله ولم تترك عبادة القبور والأضرحة وتدعو الحسين فإن لا إله إلا الله لا تنفعك ؛ لأن المشركين لم يقولوا لا إله إلا الله ؛ لأنها تقتضي منهم ترك عبادة كل ما سوى الله تعالى من الأصنام والأوثان ( ويقولن أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون ) . وكذلك أن تنطق بها وأنت لا تعرف معناها فإنك لم تحققها ولم تستفد منها كالمنافقين ( يقولن بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ) فلم تنفعهم هذه الكلمة.

فشرط لا إله إلا الله

n شرط لا إله إلا الله : معرفة معناها والعمل بمقتضاها।

n الدليل على شرط العلم : قوله تعالى ( فاعلم أنه لا إله إلا الله ) ।

n والدليل على شرط العمل : قوله – عليه السلام - ( من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه ).


أدلة معرفة المشركين معنى لا إله إلا الله

n ( إنّهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون * ويقولون أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون ).

n معرفة أبي طالب وصناديد قريش معنى لا إله إلا الله ولهذا لما قال لهم قولوا لا إله إلا الله ، قالوا ( أجعل الآلهة إلهاً واحداً إنّ هذا لشيء عجاب ) .


معنى خالصاً من قلبه

n معنى خالصاً من قلبه :

q يعني يعتقد معناها بقلبه لا مجرد كلام بلسانه أمام الناس فقط كحالة المنافقين .

n لا تنفع العبادة مع الشرك بل تبطل وتفسد :

q كما قال الله تعالى ( لئن أشركت ليحبطنّ عملك ولتكوننّ من الخاسرين ) وقال جل وعلا ( وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثورا ).


ولا يخفى علينا أن :

n الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله لا تطلب إلا من الله.

n الأمور التي يقدر عليها المخلوق يجوز طلبها منه بشرط أن يكون قادراً وحاضراً.

n طلب الوساطة فيما لا يقدر عليه إلا الله شرك بالله.

( ويعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ولا يضرهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله ) ( والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقرّبونا إلى الله زلفى ).

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

لسماع المحاضرة كاملة اضغط هنا

27‏/3‏/2010

الطرق المثلى في التعامل مع الغاضبين ساعة غضبهم

ما هي الطرق التي يتبعها المرء عندما يتعامل مع شخص غاضب ؟ .

الجواب :

الحمد لله

أولاً:

الغضب ليس مذموماً كله ، بل يُحمد الغضب إذا كان غضباً لله تعالى ، كأن تُنتهك محارم الله عز وجل .

والمذموم منه ما كان غضباً لدنيا ، وخاصة إذا ترتب عليه أذى أو ضرر أو شر ، كقتل ، وضرب ، وطلاق ، وشتم ، وقذف .

عن أَبي مَسْعُودٍ أَنَّ رَجُلًا قَالَ : وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَأَتَأَخَّرُ عَنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ مِنْ أَجْلِ فُلَانٍ ، مِمَّا يُطِيلُ بِنَا ؟ فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَوْعِظَةٍ أَشَدَّ غَضَبًا مِنْهُ يَوْمَئِذٍ ، ثُمَّ قَالَ : إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ ؛ فَأَيُّكُمْ مَا صَلَّى بِالنَّاسِ فَلْيَتَجَوَّزْ ، فَإِنَّ فِيهِمْ الضَّعِيفَ وَالْكَبِيرَ وَذَا الْحَاجَةِ .

رواه البخاري ( 670 ) ومسلم ( 466 ) .

وبوَّب عليه البخاري بقوله : " باب ما يجوز من الغضب والشدة لأمر الله " ، وبوَّب عليه النووي في " رياض الصالحين " بقوله " باب الغضب إذا انتهكت حرمات الشرع والانتصار لدين الله تعالى " .

قال الشيخ العثيمين – رحمه الله - :

والغضب له عدة أسباب منها : أن ينتصر الإنسان لنفسه ؛ يفعل أحد معه ما يغضبه فيغضب لينتصر لنفسه ، وهذا الغضب منهي عنه ؛ لأن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال له أوصني قال : ( لا تغضب ) فردَّد مراراً يقول : أوصني ، وهو يقول : ( لا تغضب ) .

والثاني من أسباب الغضب : الغضب لله عز وجل ، بأن يرى الإنسان شخصاً يَنتهك حرمات الله فيغضب غيرة لدين الله ، وحمية لدين الله ، فإن هذا محمود ويثاب الإنسان عليه ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان هذا من سنَّته ، ولأنه داخل في قوله تعالى : ( وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِنْدَ رَبِّهِ ) ، ( وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ) ، فتعظيم شعائر الله وتعظيم حرمات الله : أن يجدها الإنسان عظيمة ، وأن يجد امتهانها عظيماً ، فيغضب ، ويثأر لذلك حتى يفعل ما أمر به من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك .

" شرح رياض الصالحين " ( 3 / 615 ، 616 ) .

وفي جواب السؤال رقم ( 658 ) تجد علاج الغضب الدنيوي ، فليراجع .

ثانياً:

أما التعامل مع الشخص الغاضب : فله عدة اتجاهات وقواعد ، منها :

1. إذا رأيتَ من يغضب الغضب الشرعي ، فيغضب لانتهاك حرمات الله ، ويغضب لفعل الناس الموبقات : فالواجب عليك أن تشاركه في ذلك الغضب ، لله . ثم ينظر فيما يجب عليكم فعله ، بمقتضى ذلك الغضب لله ، وهذا يختلف بحسب الحال ، والمصلحة الشرعية في ذلك . 2. إذا رأيتَ من يغضب لنفسه ، أو لدنيا ، وتعلم منه تعظيمه للدين ، ووقوفه عند حدود الشرع : فذكِّره أثناء غضبه بربه تعالى ، وذكره بوصية النبي صلى الله عليه وسلم ( لا تغضب ) ، وذكره بفضيلة ملك النفس عند الغضب ، وفضل العفو .

عن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَدِمَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ فَنَزَلَ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ الْحُرِّ بْنِ قَيْسٍ - وَكَانَ مِنْ النَّفَرِ الَّذِينَ يُدْنِيهِمْ عُمَرُ - وَكَانَ الْقُرَّاءُ أَصْحَابَ مَجَالِسِ عُمَرَ وَمُشَاوَرَتِهِ كُهُولًا كَانُوا أَوْ شُبَّانًا ، فَقَالَ عُيَيْنَةُ لِابْنِ أَخِيهِ : " يَا ابْنَ أَخِي هَلْ لَكَ وَجْهٌ عِنْدَ هَذَا الْأَمِيرِ فَاسْتَأْذِنْ لِي عَلَيْهِ ؟ " قَالَ : " سَأَسْتَأْذِنُ لَكَ عَلَيْهِ "، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : فَاسْتَأْذَنَ الْحُرُّ لِعُيَيْنَةَ فَأَذِنَ لَهُ عُمَرُ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ : هِيْ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ فَوَاللَّهِ مَا تُعْطِينَا الْجَزْلَ وَلَا تَحْكُمُ بَيْنَنَا بِالْعَدْلِ ! فَغَضِبَ عُمَرُ حَتَّى هَمَّ أَنْ يُوقِعَ بِهِ ، فَقَالَ لَهُ الْحُرُّ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ ) وَإِنَّ هَذَا مِنْ الْجَاهِلِينَ ، وَاللَّهِ مَا جَاوَزَهَا عُمَرُ حِينَ تَلَاهَا عَلَيْهِ ، وَكَانَ وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللَّهِ .

رواه البخاري ( 4366 ) .

3. إذا رأيتَ من يغضب لنفسه أو لدنياه ، وليس عنده تعظيم للشرع ، لكنه لا يتطاول في غضبه على الشرع ، وإنما يصب غضبه عليك أنت : فخير لك السكوت ، حتى ينتهي من تفريغ شحنات غضبه في الهواء ، فإن أجبته لم تكسب خيراً ، ولم تُصلح حالاً ، بل تزيد الأمر شرّاً وسوءًا – غالباً - .

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا شَتَمَ أَبَا بَكْرٍ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْجَبُ وَيَتَبَسَّمُ فَلَمَّا أَكْثَرَ رَدَّ عَلَيْهِ بَعْضَ قَوْلِهِ فَغَضِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَامَ فَلَحِقَهُ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ كَانَ يَشْتُمُنِي وَأَنْتَ جَالِسٌ فَلَمَّا رَدَدْتُ عَلَيْهِ بَعْضَ قَوْلِهِ غَضِبْتَ وَقُمْتَ ، قَالَ : ( إِنَّهُ كَانَ مَعَكَ مَلَكٌ يَرُدُّ عَنْكَ فَلَمَّا رَدَدْتَ عَلَيْهِ بَعْضَ قَوْلِهِ وَقَعَ الشَّيْطَانُ فَلَمْ أَكُنْ لِأَقْعُدَ مَعَ الشَّيْطَانِ ) ثُمَّ قَالَ : ( يَا أَبَا بَكْرٍ ثَلَاثٌ كُلُّهُنَّ حَقٌّ مَا مِنْ عَبْدٍ ظُلِمَ بِمَظْلَمَةٍ فَيُغْضِي عَنْهَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا أَعَزَّ اللَّهُ بِهَا نَصْرَهُ ... ) .

رواه أحمد ( 15 / 390 ) ، وحسَّنه المحققون ، وجوَّد إسناده الألباني في " السلسلة الصحيحة " ( 2232 ) .

وهذه القاعدة يمكن أن نجعلها عامَّة في معاملة كل غاضب ، فنسكت عنه حتى يفرِّغ ما عنده ، ولا نرد عليه ، ولا نحمل في قلوبنا شيئاً عليه بسبب ما قال ، ثم إذا هدأ ذكَّرناه بقبح وسوء ما فعل وقال ، وهذا ما يوصي به الحكماء .

قال ابن الجوزي – رحمه الله - :

الغضبان كالسكران لا يُؤاخذ بما يقول .

متى رأيت صاحبك قد غضب وأخذ يتكلم بما لا يصلح : فلا ينبغي أن تعقد على ما يقوله خنصراً – ( أي : لا تعتد بكلامه ) - ، ولا أن تؤاخذه به ؛ فإن حاله حال السكران ، لا يدري ما يجري ، بل اصبر لفورته ، ولا تعول عليها ؛ فإن الشيطان قد غلبه ، والطبع قد هاج ، والعقل قد استتر .

ومتى أخذت في نفسك عليه ، أو أجبته بمقتضى فعله : كنت كعاقل واجه مجنونًا ، أو كمفيق عاتب مغمى عليه ، فالذنب لك .

بل انظر بعين الرحمة ، وتلمح تصريف القدر له ، وتفرج في لعب الطبع به ، واعلم أنه إذا انتبه : ندم على ما جرى ، وعرف لك فضل الصبر .

وأقل الأقسام : أن تسلمه فيما يفعل في غضبه إلى ما يستريح به .

وهذه الحالة ينبغي أن يتلمحها الولد عند غضب الوالد ، والزوجة عند غضب الزوج ، فتتركه يشتفي بما يقول ، ولا تعول على ذلك ، فسيعود نادماً معتذراً .

ومتى قوبل على حالته ومقالته : صارت العداوة متمكنة ، وجازى في الإفاقة على ما فُعل في حقه وقت السكر .

وأكثر الناس على غير هذه الطريق : متى رأوا غضبان : قابلوه بما يقول ويعمل ، وهذا على غير مقتضى الحكمة ، بل الحكمة ما ذكرته ، ( وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ) العنكبوت/ 43 .

" صيد الخاطر " ( ص 295 ، 296 ) .

4. إذا كان الغاضب هو الزوج فلتصبر الزوجة على غضبه ، ولا ترد عليه في فورته ، ولتؤجل ترضيته ، فإذا جاء الليل فلتأخذ بيده وتقول له : " لا أنام حتى ترضى " .

عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أَلَا أُخبِرُكُم بِنِسَائِكُم فِي الجَنَّةِ ؟ ) قُلنَا : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : ( وَدُودٌ وَلُودٌ إِذَا غَضِبَت أَو أُسِيءَ إِلَيهَا أَو غَضِبَ زَوجُهَا قَالَت : هَذِهِ يَدِي فِي يَدِكَ ، لَا أَكتَحِلُ بِغِمضٍ حَتَّى تَرضَى ) .

رواه الطبراني في " المعجم الأوسط " ( 2 / 206 ) ، وحسَّنه الألباني في " السلسلة الصحيحة ( 3380 ) ، ورواه النسائي في " الكبرى " ( 5 / 361 ) من حديث ابن عباس بلفظ ( والله لاَ أَذُوقُ غُمْضاً حَتَّى تًَرْضَى ) .

قال المناوي - رحمه الله - :

( لا أذوق غُمضا ) بالضم أي : لا أذوق نوماً .

فمن اتصفت بهذه الأوصاف منهن فهي خليقة بكونها من أهل الجنة ، وقلما نرى فيهن مَن هذه صفاتها ، فالمرأة الصالحة كالغراب الأعصم .

" فيض القدير" ( 3 / 106 ) .

5. إذا كان الغاضب هو الأب على ابنه ، أو المدير على موظفه ، أو الجار على جاره ، أو صديق على صديقه : فالأنسب هنا :

أ. أن نُبعد الطرف الآخر أن يراه ذلك الغاضب ؛ لأن سورة الغضب تشتعل وتتأجج بوجوده ، فإذا ما أبعدناه عنه : خفَّ الغضب ، وزال بسرعة .

ب. مجاراته في توعده بعقوبته ، أو تهديده بقتله ، أو ما يشبه ذلك من العقوبات ، فيُجارى ، ولا يُنفَّذ له طلب .

قال ابن القيم – رحمه الله - :

ولهذا يأمر الملوك وغيرهم عند الغضب بامور يعلم خواصهم أنهم تكلموا بها دفعاً لحرارة الغضب ، وأنهم لا يريدون مقتضاها ، فلا يمتثله خواصهم ، بل يؤخرونه ، فيحمدونهم على ذلك إذا سكن غضبهم .

وكذلك الرجل وقت شدة الغضب يقوم ليبطش بولده أو صديقه ، فيحول غيره بينه وبين ذلك فيحمدهم بعد ذلك ، كما يحمد السكران والمحموم ونحوهما من يحول بينه وبين ما يهم بفعله في تلك الحالة .

" إغاثة اللهفان في طلاق الغضبان " ( ص 47 ) .

ونسأل الله أن يحفظ جوارحنا ، وأن يقينا شرور أنفسنا .

والله أعلم

الإسلام سؤال وجواب

العريفي موقف طريف جدا

انتساب الزوجة إلى عائلة زوجها

هل يجوز للزوجة أن تضيف اسم زوجها الأخير إلى اسمها الأخير ؟



الحمد لله

لا يجوز للزوجة أن تنتسب إلى عائلة زوجها ، كما هو شائع عند غير المسلمين ؛ لما روى

البخاري (3508) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (لَيْسَ مِنْ رَجُلٍ ادَّعَى لِغَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُهُ إِلَّا كَفَرَ ، وَمَنْ ادَّعَى قَوْمًا لَيْسَ لَهُ فِيهِمْ – أي نسب - فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ).

وقال صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ انْتَسَبَ إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ .. فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ) رواه ابن ماجة (2599) وصححه الألباني في صحيح الجامع (6104) .

وهذا وعيد شديد لمن غير اسم أبيه أو عائلته وانتسب إلى عائلة أو قوم لا ينتمي إليهم .

كما أن هذا العمل في تشبه بالكفار ، لأن هذه العادة الذميمة لا تعرف إلا فيهم ، وعنهم أخذها بعض الجهلة من المسلمين .

وفيها أيضا جحود ونكران من المرأة لعائلتها وأهلها ، مما ينافي البر والإحسان ومكارم الأخلاق .

وينظر جواب السؤال (
6241
) .

والله أعلم .



الإسلام سؤال وجواب

24‏/3‏/2010

الحجاب؟ أسئلة و أجوبة.....

الحجاب؟ أسئلة و أجوبة.....مميز .من فتاوى الشيخ ابن العثيمين رحمه الله

بسم الله الرحمن الرحيم
من فتاوي الزينة و المراة _الحجاب

السؤال: يقول أنا شابٌ في مقتبل العمر وفقني الله بإكمال نصف ديني حيث صممت على الزواج وندمت على فوات ما مضى من عمري دون زواج وهاأنا ذا أستعد له وبعد أن خطبت الزوجة الصالحة إن شاء الله وذلك طبعاً بموافقة أبوي وكنت على نقاشٍ حادٍ مع والدتي الحبيبة وقد تعرضنا في حديثنا عن الحجاب فقلت لها يا أماه إنني أعتزم أن أحجب زوجتي عن إخواني فثارت أمي وغضبت مني وقالت لِمَ تفعلُ ذلك فأنت تعلم أن إخوانك طيبون ولا يعرفون الرذيلة وأخلاقهم عالية فإن الحجاب يجعلهم ويجعلنا جميعاً في حرج وإذا اجتمعنا في مكانٍ ما لا نستطيع الذهاب والقيام برحلات ونزهات مع بعضنا البعض فهي تقصد من ذلك أن الحجاب يضايق الجميع فنحن عائلة واحدة ويجب أن تكون العائلة مع بعض حاولت جاهداً أن أقنعها وبأن ذلك لا يجوز فلم أستطع وأرجو التوجيه لي ولوالدتي؟



فأجاب رحمه الله تعالى : أما بعد فإننا نشكر الأخ على هذا الأدب الرفيع والخلق الفاضل ألا وهو التأدب بالآداب الإسلامية التي شرعها الله تبارك وتعالى لعباده فيما يتعلق بالنساء ونقول له إنما ذهبت إليه هو الصواب من أنه يجب على زوجتك أن تحتجب عن إخوانك وإن كانوا على مستوى رفيع من النزاهة والعفة فإن ذلك لا يضرهم شيئاً إذا احتجبت عنهم لأنها قائمةٌ بأمر الله ومن كمال عفتهم ودينهم أن يوافقوها على ما تريد وألا يجزعوا مما صنعت

ونصيحتنا لأمك هي أن تصبر على هذا الحكم الشرعي وأن تعلم أن العاقبة للمتقين لا بالنسبة لها ولا بالنسبة لك ولا بالنسبة لزوجتك ولا لإخوانك فإذا التزمت العائلة بشريعة الله تعالى في هذا الباب وغيره فإن ذلك خيرٌ لها وأسعد لها في دينها ودنياها

وبالنسبة للحجاب الإسلامي الذي أشرت إليه في آخر خطابك فالحجاب الإسلامي يشمل حجب الوجه والكفين أيضاً عن غير المحارم ولكن نظراً لأن المرأة في البيت محتاجةٌ إلى إبداء كفيها لأشغالها فإنه لا بأس أن تبرز كفيها في بيتها ولو كان عندها أخوة الزوج لأن ذلك لا يثير الشهوة غالباً ولا يسلم التحرز منه من المشقة المنافية للشرع أما بالنسبة للوجه فإنه لا يضرها إذا احتجبت ولا يشق عليها ذلك لا سيما إذا اعتادت فإن الذين يعتادون هذا لا يعبئون به ولا يرونه ضيقاً ولا حرجاً ولا سوء ظنٍ بمن يحتجبون عنه لهذا نقول قم بالواجب عليك بالنسبة لزوجتك وسيجعل الله لك العاقبة فإن من يتق الله تعالى يجعل له من أمره يسرا



19‏/3‏/2010

فضيلة الشيخ محمد حسان - رجل أسلم كي ينام فسبحان الملك

10‏/3‏/2010

التربية عند الشيخ الألباني

مقال لفضيلة الشيخ "أبو عبيدة" مشهور بن حسن آل سلمان

حفظه الله تعالى ورعاه

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ،

أما بعد:


برزت جهود الشيخ الألباني في التصفية على وجه ظاهر للعيان، في كثير من ميادين العلم، وبقيت تقعيداته وآراءه في (القسم الثاني) من شعاره الذي رفعه، وركز عليه ، وهو (التصفية والتربية).

ولا شك أن كلمات شيخنا الألباني -رحمه الله- وآراءه في هذا المضمار مشتتة ومتفرقة وموزعة، تحتاج إلى من يتصدّى لها، ليقوم بجمعها ولملمتها، ثم ضم النظير إلى نظيره، وسلكها في عقد واحد، على أسس منهجية متخصًصة ، لتكون مصنفاً فريداً، ودرةً يتيمة، يستفيد منها محبوا الشيخ الألباني، وأبناؤه، وتلاميذه، ممن جمعتهم مدرسة الأثر، والانتماء إلى السلف الصالح.

وتشتدُّ الحاجة إلى هذا الجمع مع مضي الزمن، واشتداد الفتن، لأسباب كثيرة, منها:

أولاً: ضرورة تجلية (الشق الثاني) من (شعار الإصلاح) الذي رفعه الشيخ الألباني، وذلك من خلال كلامه وتقريراته وآرائه .

ثانياً: النجاة في الدنيا والآخرة في (العمل) على أسس (العلم) الصحيحة، وما (العلم) إلا(وسيلة) لـ (العمل) ، فهو بمثابة (السبب) و(العمل) هو الثمرة منه، ووضح الشيخ ذلك في كثير من مجالسه.

ثالثاً: (العلم) يحقق حظاً من حظوظ النفس بخلاف العمل ، فإنه شاقٌّ عليها، إلا عند الموفق، وقد بتنا نسمع ونشاهد – بل نعايش- بعض طلبة العلم ويشار إلى بعضهم بالبنان، وقد يكون من المشاركين في التصفية بالتحقيق والتأليف، لاحظ له من (التربية)، بل أفعاله ومواقفه مشينة 1، تصد عن سبيل هذه الدعوة المباركة، ويجعلها المتربصون عائقاً أمام نشرها، وقبول الناس لها، ويعممها أصحاب النفوس المريضة، والمطامع الدنيوية على سائر المشايخ , العاملين المخلصين لنصرتها! ويدندن بها، ويطيِّرها أهل المناهج المنحرفة -ولا سيما التكفيريين- ليجعلوها دليلاً على فساد المنهج السلفي، وأن أصحابه مرجئة، لايبالون بالمعاصي، والمرجئة يقولون: لا يضر مع الإيمان ذنب!!

وشاعت هذه الأكذوبة، وانتشرت هذه الفرية، وبيّنتُ بطلانها في تقديمي لكتاب "جهود الإمام الالباني في مسائل الإيمان بالله تعالى" وهو من منشورات الدار الأثرية .

رابعاً: شدة حاجة طلبة العلم بعامة، والسلفيين بخاصة إلى دراسات تربوية، ترشِّد أساليبهم وطريقتهم في التعامل مع الآخرين ، ولاسيما إذا كانت هذه الدراسة قائمة على أقوال الشيخ الألباني -رحمه الله تعالى- فهي-بلاشك- أدعى للقبول .

خامساً: بيان مدى عمق آراء الشيخ الألباني التربوية، وأنه بالاضافة إلى كونه عالماً فهو مصلح ومربٍّ، وتدفع فرية يروِّجها أعداء الدعوة السلفية بعامة وحسّاد الشيخ الألباني خاصة بأنه علم ولم يكن له حظٌ في ميدان تربية تلاميذه، وإنْ صحت هذه الدعوى في بعض الأشخاص!

فلا بد من التيقظ والتنبه لأمور مهمة، وهي:


1- يشكك بعضهم بوجود طلبة للألباني في الأردن ! والدافع على ذلك ( الحسد ) الذي (شوى) قلب صاحب هذه الفرية!

ومن سنة الله التي لا تتخلف (
فضح ) الباطل، وبيان تناقضه، فهذا الذي خرج على بعض (الفضائيات) ليعلن على (الناس) أنه لايوجد تلميذ واحد للألباني في الأردن، هو الذي أعلن في مقابلة هاتفية مع مجلة "الفرقان" الكويتية إبان زيارة ( ثلة ) من تلاميذ الشيخ الألباني له : أن عنده أشهر وأنبل تلاميذ الألباني : ...وسمّاهم، وكانت هذه آخر جلساتهم معه، بسبب تغير منهجه، فلا أدري هل له قولان، أم أنه اللعب على الحبلين، كما يقولون ؟! ولا أكتب هذا إلا لانتشار هذه الأكذوبة! وسنح في بالي كثيراً أن أكتب (أعاجيب الأكاذيب)، ولاسيما وقد عشنا رجباً، ورأينا عجباً، ولعلي أفعل حتى لا يتمادى أهل الباطل في باطلهم، وهاك أنموذجاً من كذبٍ من لون آخر من شخص على وزان الأول، عنده (هيمان) في (واد) من (أودية) حظ النفس، والركض وراء الرئاسة الموهومة، والمصالح الفانية، باسم الدعوة المسكينة! وما كنت أتصور أنّ رجلاً ينتسب لهذه الدعوة المباركة القائمة على نصوص الوحي: يزور ويكذب ويتلاعب بالحقائق، ويتهم الخلق بالزور والبهتان، لا عن غفلة ونسيان، وإنما عن تعمُّد وتقصُّد، ويوزع التُّهم، وينفخ في الشبه، ويتعدى على أعراض الخلق ، ويخرج من شاء ، متى شاء , من هذه الدعوة , ففي الأمس كان (فلان)-الداعية المغربي– سلفياً، والويل لمن يتهمه بخلاف ذلك، ولمّا فُضح هذا المتكلم رمى نفسه في أحضان من يبدِّع ذاك المغربي، فأصبح –من أجل أن يبقى له بعد استراتيجي في الدعوة (هي السياسة لا الدعوة) إذ كشف في البلد التي يعيش فيها- يبدِّع، بقلّة حياء، وصلافة نفس، وسوء خلق وتربية، دون تقعيد علمي، ولا وازع شرعي، إلا (الإمارة)! والرئاسة المتوهمة، والمكاسب والمناصب، (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) ، ولو رحتُ أفصِّل في بواطيل هذين الرمزين، وطريقة ألاعيبهم على الطلبة باسم العلم والتصفية والتربية، لاحتجتُ إلى كاغد كثير, ومداد مديد، مما لا أطيق تدوينه، وأشفق على القارئ أن تستك مسامعه به، ولم أكتب هذه السطور إلا لضرورة دعت، وإن لزم التفصيل، فعلت بمقدار الضرورة، وإلى الله المشتكى، من إضاعة الجهد والوقت في مثل هذه الأمور!


وخلاصة ما مضى: التحذير مما حذر منه السلف، قال ابن القيم في "إغاثة اللهفان" (2/160) بعد كلام : "ولهذا كان السلف يقولون: احذروا من الناس صنفين : صاحب هوى قد فتنه هواه، وصاحب دنيا أعمته دنياه".

وههنا لطيفة للشيطان وأوليائه لا يتخلص منها إلا حاذق ، وهي أن يُظْهِرَ له في مظان الشر بعضَ شيء من الخير، ويدعوه إلى تحصيله، فإذا قرب منه ألقاه في الشبهة، أفاده ابن القيم في "عدة الصابرين" (ص50)، فاحذر أخي الحبيب، واحرص، سلَّم الله دينك ومنهجك من التلون والتنقل، إذ هو منهج أهل البدع.

"
ومن صفاتهم كثرة التلون, وسرعة التقلب، وعدم الثبات, بينا تراه على حال تعجبك من دين، أو عبادة، أو هدي صالح، أو صدق, إذا انقلب إلى ضد ذلك، كأنه لم يعرف غيره, فهو أشد الناس تلوناً وتقلباً " قاله ابن القيم في "طريق الهجرتين". (ص602).


2- إن المفسد والمخلِّط هو الذي يحمل وزر عمله في الدنيا والآخرة، وليس من دين الله عز وجل أن يؤخذ الشيخ الألباني بجريرة عمل غيره، سواء كان هؤلاء من تلاميذه ممن له صلة قديمة أو حديثة به، أو كان يدعي ذلك، ولم تثبت له تلمذة؛ إلا الدعوى والجعجعة.

3- إن أغلب تلاميذ الشيخ الألباني من المعروفين –ولله الحمد- بحسن الخلق، والحرص على الخير للناس، والتواضع، والعدل، وسلامة الصدر، وحسن المعتقد، والحرص على السنة.

4- إن الشيخ تعرف تربيته من عوامّ خواصه، ولا يصلح النادر؛ ليكون معياراً، ولا يصح أن يكون دليلاً على تلك المقولة الجائرة، وكم سمعنا شيخنا الألباني –رحمه الله- يردِّد قول الشاعر 2 :

غيري جنى وأنا المعذَّب فيكم فكأنني سُبَّابة المتندّمِ


ولحكمة عظيمة قصً الله علينا قصة إبليس، وأنه كان مع الملائكة، ثم طرد من رحمة الله تعالى، فليس له أن يتكبر في جنة الله عزوجل، ومن تكبر 3 فليس له في هذه الدعوة إلا المؤخّرة، والطرد عن موقع المسؤولية،وفق سنة الله عزوجل في كونه وشرعه،وليس بالأوامر الحزبية،ولا التدابير الكيدية.

5- ينبغي تفويت الفرصة على (مراد) مرددي عبارة: (الشيخ علَّم وما ربّى)، فليس همُّ مفتريها وقائليها إلا صدّ الناس عن دعوة الشيخ وتقريراته، والتشكيك في هذه الدعوة المباركة، فلا تكن من الغافلين ولا جسراً للظالمين.

6- الواجب على تلاميذ الشيخ –رحمه الله- على اختلاف طبقاتهم وعلمهم أن يجمعوا همَّهم على نشر دعوته، وأن يعلموا أن تصرفاتهم محسوبة على هذه الدعوة المباركة، وأن تبقى خلافاتهم المعتبرة فيما بينهم، وأن تجمع كلمتهم على نبذ من يكيد بهم، ويجعل الدعوة شبكة لمطامعه الخاصة والدنيوية، إلا أن يُظهر توبته، وتعرف استقامته.

7- المنسوبون للتلمذة على الشيخ طبقات من حيث التقوى والتربية والعلم والملازمة والسِّنّ والسّمت والهدي ، وهم مختلفون في الهمم ، متفاوتون في التحصيل ، وقليل منهم ممن يحافظ على وقته على وجه فيه انقطاع للطلب ، والتعلم والتعليم ، ويحبس وقته لذلك , ويفرغ طاقته في هذا الميدان، كما كان عليه الشيخ الألباني –رحمه الله-.

وهناك طبقة- وهم الكثرة الكاثرة -من شباب هذه الدعوة هذه الأيام, لم يتسن لهم لقاء الشيخ، ولا معرفة هديه وسمته، ولم يخبروا كتبه، ويعرفوا منهجية بحثه، ولم يستحضروا اختياراته وأحكامه، وإن شاهدوه مرات قليلة، ووجود (
الخلل) أو بعضه، أو بروز بعض (آثاره) في سلوكهم، لا يجعلنا نطمع في إصلاحهم وتربيتهم والإحاطة بهم، ولا أن نحكم على الشيخ أنه (علم) وما (ربّى)! وإن تجوزنا ونعتنا هؤلاء بأئهم (تلاميذ الشيخ)! ولا سيما على تقرير شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله تعالى- "في مجموع الفتاوى" (11/512)، فإنه قال: "كل من أفاد غيره إفادة دينية فهو شيخه فيها، وكل ميت وصل على الإنسان من أقواله وأعماله وآثاره ما انتفع به في دينه، فهو شيخه من هذه الجهة، فسلف الأمة شيوخ الخلفاء قرناً بعد قرن، وليس لأحد أن ينتسب إلى شيخ يوالي على متابعته، ويعادي ذلك، بل عليه أن يوالي كل من كان من أهل الإيمان....
"

والمهم: أن لا يتشبع الإنسان بما لم يعط، ويحسن قصده في الانتساب إلى الشيخ، ويعرف قدره منه، فقد بلونا على بعض محبي الشيخ ومنتقديه أنهم يجعلون ذلك سُلماً لأغراض وأعراض، ولا حول ولا قوة إلا بالله.


وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.



وكتب
أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان
بعد عصر يوم الخميس
11 / 6 / 1430هـ
4 / 6 / 2009 م



1. في مثل هؤلاء، قال شيخنا الألباني: " ما ربّيتُ" ففرح بها المتربصون، فعمموها!.


2. في قائله محمد بن شرف القيرواني (ت 490هـ) ، والبيت ذكره الخطيب التبريزي في "الايضاح" ( 211 ) والبغدادي في "خزانة الأدب" ( 2/411 ) بلفظ "المعاقب" بدل "المعذب" . وذكره العاملي في " الكشكول " ( 2/221 ) وأحمد الهاشمي في "السحر الحلال" ( 101 ) باللفظ الذي كان يردده الشيخ - رحمه الله تعالى - وهو المثبت.


3. عرّف النبي صلى الله عليه وسلم الكبر بقوله: "رد الحق، وغمط الناس"، فمن ابتلي بهذين (الدائين) يطهِّر الله (عهده) منه (ولا ينال عهدي الظالمين) –فتأمل السر في نصب (الظالمين) لا رفعها!- وما سبب فشل الحركيين والحزبيين-في حقيقة واقعهم- إلا هذا الأمر، وأول نشوء ( الدعوة السلفية ) في المدينة النبوية ومن خصائصها أنها تنفي خبثها، فتعدت هذه الخاصية بالمجاورة إلى هذه الدعوة، فهي تنفي خبيثها، والدَّعيَّ فيها.

9‏/3‏/2010

الوصية الجامعة

الوصية الجامعة

لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله

سؤال أبي القاسم المغربي:

يتفضل الشيخ الإمام، بقية السلف، وقدوة الخلف، أعلم من لقيت ببلاد المشرق والمغرب؛ تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية: بأن يوصيني بما يكون فيه صلاح ديني ودنياي ؟ ويرشدني إلى كتاب يكون عليه اعتمادي في علم الحديث، وكذلك في غيره من العلوم الشرعية، وينبهني على أفضل الأعمال الصالحة بعد الواجبات، ويبين لي أرجح المكاسب، كل ذلك على قصد الإيماء والاختصار، والله تعالى يحفظه. والسلام الكريم عليه ورحمة الله وبركاته.



فأجاب :



الحمد لله رب العالمين، أما "الوصية" فما أعلم وصية أنفع من وصية الله ورسوله لمن عقلها واتبعها، قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ . ووصى النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً لما بعثه إلى اليمن فقال: « يا معاذ: اتَّقِ الله حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأتْبعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ ». وكان معاذ رضي الله عنه من النبي صلى الله عليه وسلم بمنزلة علية؛ فإنه قال له: « يا معاذ والله إني لأحبك » وكان يردفه وراءه. وروي فيه: « أنه أعلم الأمة بالحلال والحرام وأنه يحشر أمام العلماء برتوة » - أي بخطوة - . ومن فضله أنه بعثه النبي صلى الله عليه وسلم مبلغاً عنه داعياً ومفقهاً ومفتياً وحاكماً إلى أهل اليمن. وكان يشبهه بإبراهيم الخليل عليه السلام وإبراهيم إمام الناس. وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول: إن معاذاً كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين؛ تشبيها له بإبراهيم. ثم إنه صلى الله عليه وسلم وصاه هذه الوصية فعُلم أنها جامعة. وهي كذلك لمن عقلها مع أنها تفسير الوصية القرآنية.

أما بيان جمعها فلأن العبد عليه حقان :

حق لله عز وجل وحق لعباده .

ثم الحق الذي عليه لا بد أن يُخلَّ ببعضه أحيانا : إما بترك مأمور به أو فعل منهي عنه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: « اتَّقِ الله حَيْثُمَا كُنْتَ » وهذه كلمة جامعة وفي قوله: «حَيْثُمَا كُنْتَ» تحقيق لحاجته إلى التقوى في السر والعلانية.

ثم قال : «وَأتْبعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا» فإن الطبيب متى تناول المريض شيئا مضرا أمره بما يصلحه، والذنب للعبد كأنه أمرٌ حتمٌ، فالكيّس هو الذي لا يزال يأتي من الحسنات بما يمحو السيئات. وإنما قدم في لفظ الحديث "السيئة" وإن كانت مفعولة لأن المقصود هنا محوها لا فعل الحسنة، فصار كقوله في بول الأعرابي: «صبوا عليه ذنوبا من ماء». وينبغي أن تكون الحسنات من جنس السيئات فإنه أبلغ في المحو.

والذنوب يزول موجبها بأشياء :

( أحدها ) التوبة .

( الثاني ) الاستغفار من غير توبة. فإن الله تعالى قد يغفر له إجابة لدعائه وإن لم يتب فإذا اجتمعت التوبة والاستغفار فهو الكمال.

( الثالث ) الأعمال الصالحة المكفرة : أما "الكفارات المقدرة" كما يكفر المجامع في رمضان والمظاهر والمرتكب لبعض محظورات الحج أو تارك بعض واجباته أو قاتل الصيد بالكفارات المقدرة وهي "أربعة أجناس" هدي وعتق وصدقة وصيام. وأما "الكفارات المطلقة" كما قال حذيفة لعمر: فتنة الرجل في أهله وماله وولده؛ يكفرها الصلاة والصيام والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقد دل على ذلك القرآن والأحاديث الصحاح في التكفير بالصلوات الخمس والجمعة والصيام والحج وسائر الأعمال التي يقال فيها: من قال كذا وعمل كذا غفر له أو غفر له ما تقدم من ذنبه وهي كثيرة لمن تلقاها من السنن خصوصا ما صنف في فضائل الأعمال.

واعلم أن العناية بهذا من أشد ما بالإنسان الحاجة إليه؛ فإن الإنسان من حين يبلغ؛ خصوصاً في هذه الأزمنة ونحوها من أزمنة الفترات التي تشبه الجاهلية من بعض الوجوه، فإن الإنسان الذي ينشأ بين أهل علم ودين قد يتلطخ من أمور الجاهلية بعدة أشياء فكيف بغير هذا، وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي سعيد رضي الله عنه: «لتَتَّبِعُنَّ سَنَن مَنْ كان قبلكم شِبْرا بِشِبر، وَذِرَاعا بِذِراع حتى لو دَخَلُوا جُحْرَ ضَبّ لَتَبِعْتُموهُمْ، قلنا: يارسول الله اليهودُ والنصارى؟ قال: فَمَنْ ؟» هذا خبر تصديقه في قوله تعالى: ﴿فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا ولهذا شواهد في الصحاح والحسان. وهذا أمر قد يسري في المنتسبين إلى الدين من الخاصة؛ كما قال غير واحد من السلف منهم ابن عيينة؛ فإن كثيرا من أحوال اليهود قد ابتلي به بعض المنتسبين إلى العلم، وكثيرا من أحوال النصارى قد ابتلي به بعض المنتسبين إلى الدين، كما يبصر ذلك من فهم دين الإسلام الذي بعث الله به محمدا صلى الله عليه وسلم، ثم نزله على أحوال الناس.

وإذا كان الأمر كذلك فمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه وكان ميتا فأحياه الله وجعل له نورا يمشي به في الناس لا بد أن يلاحظ أحوال الجاهلية وطريق الأمتين المغضوب عليهم والضالين من اليهود والنصارى فيرى أن قد ابتلي ببعض ذلك. فأنفع ما للخاصة والعامة العلم بما يخلص النفوس من هذه الورطات وهو إتباع السيئات الحسنات. والحسنات ما ندب الله إليه على لسان خاتم النبيين من الأعمال والأخلاق والصفات.

ومما يزيل موجب الذنوب "المصائب المكفرة" وهي كل ما يؤلم من هم أو حزن أو أذى في مال أو عرض أو جسد أو غير ذلك لكن ليس هذا من فعل العبد.

فلما قضى بهاتين الكلمتين حق الله : من عمل الصالح وإصلاح الفاسد قال: «وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ» وهو حق الناس. وجماع الخلق الحسن مع الناس: أن تصل من قطعك بالسلام والإكرام والدعاء له والاستغفار والثناء عليه والزيارة له، وتعطي من حرمك من التعليم والمنفعة والمال، وتعفو عمن ظلمك في دم أو مال أو عرض. وبعض هذا واجب وبعضه مستحب. وأما الخلق العظيم الذي وصف الله به محمدا صلى الله عليه وسلم فهو الدين الجامع لجميع ما أمر الله به مطلقا، هكذا قال مجاهد وغيره، وهو تأويل القرآن كما قالت عائشة رضي الله عنها: «كان خلقه القرآن» وحقيقته: المبادرة إلى امتثال ما يحبه الله تعالى بطيب نفس وانشراح صدر.


وأما بيان أن هذا كله في وصية الله؛ فهو أن اسم تقوى الله يجمع فعل كل ما أمر الله به إيجابا واستحبابا، وما نهى عنه تحريما وتنزيها، وهذا يجمع حقوق الله وحقوق العباد. لكن لما كان تارة يعني بالتقوى خشية العذاب المقتضية للانكفاف عن المحارم جاء مفسراً في حديث معاذ، وكذلك في حديث أبي هريرة رضي الله عنهما الذي رواه الترمذي وصححه : قيل: يا رسول الله ما أكثر ما يُدْخِلُ الناسَ الجنة؟ قال : «تقوى الله وحسن الخلُق». قيل: وما أكثرُ ما يُدْخِلُ الناس النار؟ قال: «الأجوفان: الفمُ والفرج». وفي الصحيح عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَكْمَلُ المُؤمِنينَ إِيمَانا: أَحْسَنُهُمْ خُلُقا» فجعل كمال الإيمان في كمال حسن الخلق. ومعلوم أن الإيمان كله تقوى الله.

وتفصيل أصول التقوى وفروعها لا يحتمله هذا الموضع فإنها الدين كله؛ لكن ينبوع الخير وأصله: إخلاص العبد لربه عبادة واستعانة كما في قوله: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ وفي قوله: ﴿فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وفي قوله: ﴿عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ وفي قوله: ﴿فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ بحيث يقطع العبد تعلق قلبه من المخلوقين انتفاعا بهم أو عملا لأجلهم ويجعل همته ربه تعالى وذلك بملازمة الدعاء له في كل مطلوب من فاقة وحاجة ومخافة وغير ذلك، والعمل له بكل محبوب. ومن أحكم هذا فلا يمكن أن يوصف ما يعقبه ذلك.

وأما ما سألت عنه من أفضل الأعمال بعد الفرائض؛ فإنه يختلف باختلاف الناس فيما يقدرون عليه وما يناسب أوقاتهم فلا يمكن فيه جواب جامع مفصل لكل أحد، لكن مما هو كالإجماع بين العلماء بالله وأمره: أن ملازمة ذكر الله دائما هو أفضل ما شغل العبد به نفسه في الجملة وعلى ذلك دلَّ حديث أبي هريرة الذي رواه مسلم: «سَبَق المُفَرِّدُونَ». قالوا: وما المفَرِّدُونَ يا رسول الله؟ قال: «الذَّاكرونَ الله كثيرا والذاكراتِ» وفيما رواه أبو داود عن أبي الدرداء رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ألا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أعْمالِكُمْ، وأزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وأرْفَعِهَا في دَرَجَاتِكُمْ، وَخَيرٍ لَكُمْ مِنْ إنْفَاقِ الذَّهَبِ والفِضَّةِ، وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ أن تَلْقَوا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أعْنَاقَكُمْ ؟» قَالَوا: بَلَى، قَالَ: «ذِكر الله تَعَالَى». والدلائل القرآنية والإيمانية بصراً وخبراً ونظراً على ذلك كثيرة. وأقل ذلك أن يلازم العبد الأذكار المأثورة عن معلم الخير وإمام المتقين صلى الله عليه وسلم؛ كالأذكار المؤقتة في أول النهار وآخره، وعند أخذ المضجع، وعند الاستيقاظ من المنام، وأدبار الصلوات، والأذكار المقيدة مثل: ما يقال عند الأكل والشرب، واللباس، والجماع، ودخول المنزل، والمسجد، والخلاء، والخروج من ذلك، وعند المطر، والرعد، إلى غير ذلك، وقد صنفت له الكتب المسماة بعمل اليوم والليلة. ثم ملازمة الذكر مطلقا وأفضله: "لا إله إلا الله". وقد تعْرِضُ أحوال يكون بقية الذكر مثل: "سبحان الله والحمد لله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله" أفضل منه.

ثم يعلم أن كل ما تكلم به اللسان وتصوره القلب مما يقرب إلى الله من تعلُّمِ علمٍ وتعليمه، وأمرٍ بمعروف ونهي عن منكر، فهو من ذكر الله. ولهذا من اشتغل بطلب العلم النافع بعد أداء الفرائض، أو جلس مجلساً يتفقه أو يفقه فيه الفقه الذي سماه الله ورسوله فقهاً فهذا أيضا من أفضل ذكر الله. وعلى ذلك إذا تدبرت لم تجد بين الأولين في كلماتهم في أفضل الأعمال كبير اختلاف. وما اشتبه أمره على العبد فعليه بالاستخارة المشروعة فما ندم من استخار الله تعالى. وليكثر من ذلك ومن الدعاء فإنه مفتاح كل خير ولا يعجل فيقول: قد دعوت فلم يستجب لي، وليتحر الأوقات الفاضلة: كآخر الليل، وأدبار الصلوات، وعند الأذان، ووقت نزول المطر، ونحو ذلك.

وأما أرجح المكاسب : فالتوكل على الله، والثقة بكفايته، وحسن الظن به. وذلك أنه ينبغي للمهتم بأمر الرزق أن يلجأ فيه إلى الله ويدعوه كما قال سبحانه فيما يأثر عنه نبيه: «كُلُّكم جائع إلا مَنْ أطعمتُهُ، فاستطعِموني أُطْعِمْكم، يا عبادي! كُلُّكم عار إلا مَنْ كَسوْتُه، فاستكْسُوني أكْسُكُمْ» وفيما رواه الترمذي عن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لِيَسْألْ أَحَدكمْ رَبَّهُ حَاجَتَهُ كُلَّهَا، حتى يسأَلَ شِسْعَ نَعلِهِ، إذَا انْقَطَعَ» فإنه إن لم ييسره لم يتيسر ». وقد قال الله تعالى في كتابه: ﴿وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ وقال سبحانه: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وهذا وإن كان في الجمعة فمعناه قائم في جميع الصلوات. ولهذا والله أعلم أمر النبي صلى الله عليه وسلم الذي يدخل المسجد أن يقول: «اللَّهمَّ افْتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج فليقل: اللَّهمَّ إني أسألك من فضلك» وقد قال الخليل صلى الله عليه وسلم: ﴿فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ وهذا أمر، والأمر يقتضي الإيجاب، فالاستعانة بالله واللجأ إليه في أمر الرزق وغيره أصل عظيم.

ثم ينبغي له أن يأخذ المال بسخاوة نفس ليُبارك له فيه ولا يأخذه بإشرافٍ وهلع؛ بل يكون المال عنده بمنزلة الخلاء الذي يحتاج إليه من غير أن يكون له في القلب مكانة، والسعي فيه إذا سعى، كإصلاح الخلاء. وفي الحديث المرفوع الذي رواه الترمذي وغيره: «من أصبح والدنيا أكبر همه شتت الله عليه شمله وفرق عليه ضيعته ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له. ومن أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله عليه شمله وجعل غناه في قلبه ؟ وأتته الدنيا وهي راغمة». وقال بعض السلف: أنت محتاج إلى الدنيا وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة مر على نصيبك من الدنيا فانتظمه انتظاما. قال الله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ . مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ . إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ.

فأما تعيين مكسب على مكسب من صناعة أو تجارة أو بناية أو حراثة أو غير ذلك، فهذا يختلف باختلاف الناس، ولا أعلم في ذلك شيئا عامّاً لكن إذا عنَّ للإنسان جهة فليستخر الله تعالى فيها الاستخارة المتلقاة عن معلم الخير صلى الله عليه وسلم، فإن فيها من البركة ما لا يحاط به. ثم ما تيسر له، فلا يتكلف غيره إلا أن يكون منه كراهة شرعية .

وأما ما تعتمد عليه من الكتب في العلوم فهذا باب واسع، وهو أيضا يختلف باختلاف نشء الإنسان في البلاد، فقد يتيسر له في بعض البلاد من العلم أو من طريقه ومذهبه فيه ما لا يتيسر له في بلد آخر، لكن جماع الخير: أن يستعين بالله سبحانه في تلقي العلم الموروث عن النبي صلى الله عليه وسلم فإنه هو الذي يستحق أن يسمى علماً، وما سواه إمّا أن يكون علماً فلا يكون نافعاً ؟ وإمّا ألا يكون علماً وإن سمي به. ولئن كان علماً نافعاً فلا بد أن يكون في ميراث محمد صلى الله عليه وسلم ما يغني عنه مما هو مثله وخير منه. ولتكن همته فهم مقاصد الرسول في أمره ونهيه وسائر كلامه. فإذا اطمأن قلبه أن هذا هو مراد الرسول فلا يعْدِلُ عنه فيما بينه وبين الله تعالى ولا مع الناس إذا أمكنه ذلك. وليجتهد أن يعتصم في كل باب من أبواب العلم بأصل مأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وإذا اشتبه عليه مما قد اختلف فيه الناس فليدع بما رواه مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا قام يصلي من الليل: «اللَّهمَّ رَبَّ جِبرِيلَ ومِيكائِيلَ وإِسرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمواتِ والأرضِ، عَالمَ الغَيبِ والشهادَةِ، أَنتَ تَحكم بَينَ عِبَادِكَ فيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفون، اهدني لِما اختُلِفَ فيه من الحقِّ بِإِذنِكَ، إِنَّكَ تَهدي مَن تَشاءُ إلى صِراطٍ مُستَقيمٍ» فإن الله تعالى قد قال فيما رواه عنه رسوله: «يا عبادي! كُلُّكم ضالّ إلا مَنْ هَدَيتُه، فاسْتَهدُوني أهْدِكم».

وأما وصف "الكتب والمصنفين" فقد سمع منا في أثناء المذاكرة ما يسره الله سبحانه. وما في الكتب المصنفة المبوبة كتاب أنفع من "صحيح محمد بن إسماعيل البخاري" لكن هو وحده لا يقوم بأصول العلم. ولا يقوم بتمام المقصود للمتبحر في أبواب العلم إذ لا بد من معرفة أحاديث أُخَرَ وكلام أهل الفقه وأهل العلم في الأمور التي يختص بعلمها بعض العلماء. وقد أوعَبَت الأمة في كل فن من فنون العلم إيعاباً فمن نور الله قلبه هداه بما يبلغه من ذلك، ومن أعماه لم تزده كثرة الكتب إلا حيرة وضلالا؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي لبيد الأنصاري: «أوليست التَّوْراةُ والإنجيلُ عند اليَهودِ والنَّصَارى، فماذا تُغْنِي عنهم؟». فنسأل الله العظيم أن يرزقنا الهدى والسداد، ويلهمنا رشدنا، ويقينا شر أنفسنا، وأن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، ويهب لنا من لدنه رحمة، إنه هو الوهاب. والحمد لله رب العالمين. وصلواته على أشرف المرسلين.