مقال لفضيلة الشيخ "أبو عبيدة" مشهور بن حسن آل سلمان
حفظه الله تعالى ورعاه
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
أما بعد:
برزت جهود الشيخ الألباني في التصفية على وجه ظاهر للعيان، في كثير من ميادين العلم، وبقيت تقعيداته وآراءه في (القسم الثاني) من شعاره الذي رفعه، وركز عليه ، وهو (التصفية والتربية).
ولا شك أن كلمات شيخنا الألباني -رحمه الله- وآراءه في هذا المضمار مشتتة ومتفرقة وموزعة، تحتاج إلى من يتصدّى لها، ليقوم بجمعها ولملمتها، ثم ضم النظير إلى نظيره، وسلكها في عقد واحد، على أسس منهجية متخصًصة ، لتكون مصنفاً فريداً، ودرةً يتيمة، يستفيد منها محبوا الشيخ الألباني، وأبناؤه، وتلاميذه، ممن جمعتهم مدرسة الأثر، والانتماء إلى السلف الصالح.
وتشتدُّ الحاجة إلى هذا الجمع مع مضي الزمن، واشتداد الفتن، لأسباب كثيرة, منها:
أولاً: ضرورة تجلية (الشق الثاني) من (شعار الإصلاح) الذي رفعه الشيخ الألباني، وذلك من خلال كلامه وتقريراته وآرائه .
ثانياً: النجاة في الدنيا والآخرة في (العمل) على أسس (العلم) الصحيحة، وما (العلم) إلا(وسيلة) لـ (العمل) ، فهو بمثابة (السبب) و(العمل) هو الثمرة منه، ووضح الشيخ ذلك في كثير من مجالسه.
ثالثاً: (العلم) يحقق حظاً من حظوظ النفس بخلاف العمل ، فإنه شاقٌّ عليها، إلا عند الموفق، وقد بتنا نسمع ونشاهد – بل نعايش- بعض طلبة العلم ويشار إلى بعضهم بالبنان، وقد يكون من المشاركين في التصفية بالتحقيق والتأليف، لاحظ له من (التربية)، بل أفعاله ومواقفه مشينة 1، تصد عن سبيل هذه الدعوة المباركة، ويجعلها المتربصون عائقاً أمام نشرها، وقبول الناس لها، ويعممها أصحاب النفوس المريضة، والمطامع الدنيوية على سائر المشايخ , العاملين المخلصين لنصرتها! ويدندن بها، ويطيِّرها أهل المناهج المنحرفة -ولا سيما التكفيريين- ليجعلوها دليلاً على فساد المنهج السلفي، وأن أصحابه مرجئة، لايبالون بالمعاصي، والمرجئة يقولون: لا يضر مع الإيمان ذنب!!
وشاعت هذه الأكذوبة، وانتشرت هذه الفرية، وبيّنتُ بطلانها في تقديمي لكتاب "جهود الإمام الالباني في مسائل الإيمان بالله تعالى" وهو من منشورات الدار الأثرية .
رابعاً: شدة حاجة طلبة العلم بعامة، والسلفيين بخاصة إلى دراسات تربوية، ترشِّد أساليبهم وطريقتهم في التعامل مع الآخرين ، ولاسيما إذا كانت هذه الدراسة قائمة على أقوال الشيخ الألباني -رحمه الله تعالى- فهي-بلاشك- أدعى للقبول .
خامساً: بيان مدى عمق آراء الشيخ الألباني التربوية، وأنه بالاضافة إلى كونه عالماً فهو مصلح ومربٍّ، وتدفع فرية يروِّجها أعداء الدعوة السلفية بعامة وحسّاد الشيخ الألباني خاصة بأنه علم ولم يكن له حظٌ في ميدان تربية تلاميذه، وإنْ صحت هذه الدعوى في بعض الأشخاص!
فلا بد من التيقظ والتنبه لأمور مهمة، وهي:
1- يشكك بعضهم بوجود طلبة للألباني في الأردن ! والدافع على ذلك ( الحسد ) الذي (شوى) قلب صاحب هذه الفرية!
ومن سنة الله التي لا تتخلف ( فضح ) الباطل، وبيان تناقضه، فهذا الذي خرج على بعض (الفضائيات) ليعلن على (الناس) أنه لايوجد تلميذ واحد للألباني في الأردن، هو الذي أعلن في مقابلة هاتفية مع مجلة "الفرقان" الكويتية إبان زيارة ( ثلة ) من تلاميذ الشيخ الألباني له : أن عنده أشهر وأنبل تلاميذ الألباني : ...وسمّاهم، وكانت هذه آخر جلساتهم معه، بسبب تغير منهجه، فلا أدري هل له قولان، أم أنه اللعب على الحبلين، كما يقولون ؟! ولا أكتب هذا إلا لانتشار هذه الأكذوبة! وسنح في بالي كثيراً أن أكتب (أعاجيب الأكاذيب)، ولاسيما وقد عشنا رجباً، ورأينا عجباً، ولعلي أفعل حتى لا يتمادى أهل الباطل في باطلهم، وهاك أنموذجاً من كذبٍ من لون آخر من شخص على وزان الأول، عنده (هيمان) في (واد) من (أودية) حظ النفس، والركض وراء الرئاسة الموهومة، والمصالح الفانية، باسم الدعوة المسكينة! وما كنت أتصور أنّ رجلاً ينتسب لهذه الدعوة المباركة القائمة على نصوص الوحي: يزور ويكذب ويتلاعب بالحقائق، ويتهم الخلق بالزور والبهتان، لا عن غفلة ونسيان، وإنما عن تعمُّد وتقصُّد، ويوزع التُّهم، وينفخ في الشبه، ويتعدى على أعراض الخلق ، ويخرج من شاء ، متى شاء , من هذه الدعوة , ففي الأمس كان (فلان)-الداعية المغربي– سلفياً، والويل لمن يتهمه بخلاف ذلك، ولمّا فُضح هذا المتكلم رمى نفسه في أحضان من يبدِّع ذاك المغربي، فأصبح –من أجل أن يبقى له بعد استراتيجي في الدعوة (هي السياسة لا الدعوة) إذ كشف في البلد التي يعيش فيها- يبدِّع، بقلّة حياء، وصلافة نفس، وسوء خلق وتربية، دون تقعيد علمي، ولا وازع شرعي، إلا (الإمارة)! والرئاسة المتوهمة، والمكاسب والمناصب، (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) ، ولو رحتُ أفصِّل في بواطيل هذين الرمزين، وطريقة ألاعيبهم على الطلبة باسم العلم والتصفية والتربية، لاحتجتُ إلى كاغد كثير, ومداد مديد، مما لا أطيق تدوينه، وأشفق على القارئ أن تستك مسامعه به، ولم أكتب هذه السطور إلا لضرورة دعت، وإن لزم التفصيل، فعلت بمقدار الضرورة، وإلى الله المشتكى، من إضاعة الجهد والوقت في مثل هذه الأمور!
وخلاصة ما مضى: التحذير مما حذر منه السلف، قال ابن القيم في "إغاثة اللهفان" (2/160) بعد كلام : "ولهذا كان السلف يقولون: احذروا من الناس صنفين : صاحب هوى قد فتنه هواه، وصاحب دنيا أعمته دنياه".
وههنا لطيفة للشيطان وأوليائه لا يتخلص منها إلا حاذق ، وهي أن يُظْهِرَ له في مظان الشر بعضَ شيء من الخير، ويدعوه إلى تحصيله، فإذا قرب منه ألقاه في الشبهة، أفاده ابن القيم في "عدة الصابرين" (ص50)، فاحذر أخي الحبيب، واحرص، سلَّم الله دينك ومنهجك من التلون والتنقل، إذ هو منهج أهل البدع.
"ومن صفاتهم كثرة التلون, وسرعة التقلب، وعدم الثبات, بينا تراه على حال تعجبك من دين، أو عبادة، أو هدي صالح، أو صدق, إذا انقلب إلى ضد ذلك، كأنه لم يعرف غيره, فهو أشد الناس تلوناً وتقلباً " قاله ابن القيم في "طريق الهجرتين". (ص602).
2- إن المفسد والمخلِّط هو الذي يحمل وزر عمله في الدنيا والآخرة، وليس من دين الله عز وجل أن يؤخذ الشيخ الألباني بجريرة عمل غيره، سواء كان هؤلاء من تلاميذه ممن له صلة قديمة أو حديثة به، أو كان يدعي ذلك، ولم تثبت له تلمذة؛ إلا الدعوى والجعجعة.
3- إن أغلب تلاميذ الشيخ الألباني من المعروفين –ولله الحمد- بحسن الخلق، والحرص على الخير للناس، والتواضع، والعدل، وسلامة الصدر، وحسن المعتقد، والحرص على السنة.
4- إن الشيخ تعرف تربيته من عوامّ خواصه، ولا يصلح النادر؛ ليكون معياراً، ولا يصح أن يكون دليلاً على تلك المقولة الجائرة، وكم سمعنا شيخنا الألباني –رحمه الله- يردِّد قول الشاعر 2 :
غيري جنى وأنا المعذَّب فيكم فكأنني سُبَّابة المتندّمِ
ولحكمة عظيمة قصً الله علينا قصة إبليس، وأنه كان مع الملائكة، ثم طرد من رحمة الله تعالى، فليس له أن يتكبر في جنة الله عزوجل، ومن تكبر 3 فليس له في هذه الدعوة إلا المؤخّرة، والطرد عن موقع المسؤولية،وفق سنة الله عزوجل في كونه وشرعه،وليس بالأوامر الحزبية،ولا التدابير الكيدية.
5- ينبغي تفويت الفرصة على (مراد) مرددي عبارة: (الشيخ علَّم وما ربّى)، فليس همُّ مفتريها وقائليها إلا صدّ الناس عن دعوة الشيخ وتقريراته، والتشكيك في هذه الدعوة المباركة، فلا تكن من الغافلين ولا جسراً للظالمين.
6- الواجب على تلاميذ الشيخ –رحمه الله- على اختلاف طبقاتهم وعلمهم أن يجمعوا همَّهم على نشر دعوته، وأن يعلموا أن تصرفاتهم محسوبة على هذه الدعوة المباركة، وأن تبقى خلافاتهم المعتبرة فيما بينهم، وأن تجمع كلمتهم على نبذ من يكيد بهم، ويجعل الدعوة شبكة لمطامعه الخاصة والدنيوية، إلا أن يُظهر توبته، وتعرف استقامته.
7- المنسوبون للتلمذة على الشيخ طبقات من حيث التقوى والتربية والعلم والملازمة والسِّنّ والسّمت والهدي ، وهم مختلفون في الهمم ، متفاوتون في التحصيل ، وقليل منهم ممن يحافظ على وقته على وجه فيه انقطاع للطلب ، والتعلم والتعليم ، ويحبس وقته لذلك , ويفرغ طاقته في هذا الميدان، كما كان عليه الشيخ الألباني –رحمه الله-.
وهناك طبقة- وهم الكثرة الكاثرة -من شباب هذه الدعوة هذه الأيام, لم يتسن لهم لقاء الشيخ، ولا معرفة هديه وسمته، ولم يخبروا كتبه، ويعرفوا منهجية بحثه، ولم يستحضروا اختياراته وأحكامه، وإن شاهدوه مرات قليلة، ووجود (الخلل) أو بعضه، أو بروز بعض (آثاره) في سلوكهم، لا يجعلنا نطمع في إصلاحهم وتربيتهم والإحاطة بهم، ولا أن نحكم على الشيخ أنه (علم) وما (ربّى)! وإن تجوزنا ونعتنا هؤلاء بأئهم (تلاميذ الشيخ)! ولا سيما على تقرير شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله تعالى- "في مجموع الفتاوى" (11/512)، فإنه قال: "كل من أفاد غيره إفادة دينية فهو شيخه فيها، وكل ميت وصل على الإنسان من أقواله وأعماله وآثاره ما انتفع به في دينه، فهو شيخه من هذه الجهة، فسلف الأمة شيوخ الخلفاء قرناً بعد قرن، وليس لأحد أن ينتسب إلى شيخ يوالي على متابعته، ويعادي ذلك، بل عليه أن يوالي كل من كان من أهل الإيمان.... "
والمهم: أن لا يتشبع الإنسان بما لم يعط، ويحسن قصده في الانتساب إلى الشيخ، ويعرف قدره منه، فقد بلونا على بعض محبي الشيخ ومنتقديه أنهم يجعلون ذلك سُلماً لأغراض وأعراض، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وكتب
أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان
بعد عصر يوم الخميس
11 / 6 / 1430هـ
4 / 6 / 2009 م
1. في مثل هؤلاء، قال شيخنا الألباني: " ما ربّيتُ" ففرح بها المتربصون، فعمموها!. ↩
2. في قائله محمد بن شرف القيرواني (ت 490هـ) ، والبيت ذكره الخطيب التبريزي في "الايضاح" ( 211 ) والبغدادي في "خزانة الأدب" ( 2/411 ) بلفظ "المعاقب" بدل "المعذب" . وذكره العاملي في " الكشكول " ( 2/221 ) وأحمد الهاشمي في "السحر الحلال" ( 101 ) باللفظ الذي كان يردده الشيخ - رحمه الله تعالى - وهو المثبت. ↩
3. عرّف النبي صلى الله عليه وسلم الكبر بقوله: "رد الحق، وغمط الناس"، فمن ابتلي بهذين (الدائين) يطهِّر الله (عهده) منه (ولا ينال عهدي الظالمين) –فتأمل السر في نصب (الظالمين) لا رفعها!- وما سبب فشل الحركيين والحزبيين-في حقيقة واقعهم- إلا هذا الأمر، وأول نشوء ( الدعوة السلفية ) في المدينة النبوية ومن خصائصها أنها تنفي خبثها، فتعدت هذه الخاصية بالمجاورة إلى هذه الدعوة، فهي تنفي خبيثها، والدَّعيَّ فيها. ↩