29/5/2010
24/5/2010
22/5/2010
أريد أن أكون ربانيّا .. الوصايا العشر
أريد أن أكون ربانيّا .. الوصايا العشر
سؤالي قصير ، وهو أنني أحبُّ أن أدخل الجنَّة .. أحبُّ أن أجاهد نفسي ، أحبُّ أن أقبِّل يد أمي كلَّ يوم ، أحبُّ أن أبعد عن الهوى والشيطان ، أحبُّ أن يلقِّبني الله يوم القيامة بالعبد الرباني إن شاء الله ، أحبُّ أن أحبَّ إخواني ، أحبُّ أن يستمرَّ إيماني في الارتفاع . ماذا أفعل ؟ .
الحمد لله
نسأل الله أن يثبِّتك على الحقِّ دائمًا ، وأن يحقِّق مرادك ، وأن يجعلك من الأوَّابين العارفين بالحقِّ والمدافعين عنه والمتمسكين بالدين .
إنَّ التساؤلات التي طرحتها في استشارتك تدلُّ على فطرةٍ سويَّةٍ ونقيَّة ، ورغبةٍ كبيرةٍ في الوصول إلى المعالي وإعطاء كلَّ ذي حقٍّ حقَّه ، وهذه أماني عظيمة تتحقَّق بالإيمان ، وكما ورد عن سفيان الثوري قوله : " ليس الإيمان بالتمنِّي ولا بالتحلي ، ولكن ما وقر في القلب وصدَّقه العمل"، ومن هنا سوف نعرج معك أخي على قضيَّة الإيمان ، وأهمِّيَّتها في الوصول إلى الربَّانيَّة ، وتحقيق رضى وبرِّ الوالدين والفوز بالجنَّة .
* من طلب العلا سهر الليالي، ولله درُّ الشاعر إذ يقول :
طوبى لمن سهرت بالليل عيناه……. وبات في قلقٍ في حبِّ مولاه
وقام يرعى نجوم الليل منفـردًا……. شوقًا إليه وعين الله ترعـاه
ولذلك يقول الفضيل : "حرامٌ على قلوبكم أن تصيب حلاوة الإيمان حتى تزهدوا في الدنيا"، وقال أيضًا : " إذا لم تقدر على قيام الليل وصيام النهار فاعلم أنَّك محروم".
فالمؤمن الصادق يحمل قلبًا كالجمرة الملتهبة ، ولذلك روى الحاكم في مستدركه والطبراني في معجمه بسندٍ صحيحٍ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم : ( إنَّ الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب ، اسألوا الله أن يجدِّد الإيمان في قلوبكم ) ، يعنى أنَّ الإيمان يبلى في القلب كما يبلى الثوب .
وتعتري قلب المؤمن في بعض الأحيان سحابةٌ من سحب المعصية، وهذه الصورة صوَّرها لنا الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله : ( ما من القلوب قلبٌ إلا وله سحابةٌ كسحابة القمر ، إذا علته سحابةٌ أظلم وإذا تجلَّت عنه أضاء ) رواه الطبرانيّ في الأوسط وصححه الألباني ، كذلك قلب المؤمن تعتريه أحيانًا سحبٌ مظلمةٌ فتحجب نوره فيبقى في ظلمةٍ ووحشةٍ ، فإذا سعى لزيادة رصيده الإيماني واستعان بالله انقشعت تلك السحب وعاد نور قلبه يضيء ، ولذا يقول بعض السلف : " من فقه العبد أن يعاهد إيمانه وما ينتقص منه " ومن فقه العبد أيضًا : " أن يعلم نزغات الشيطان أنَّى تأتيه ".
فلابدَّ من العودة إلى الإيمان، فإذا عدت إلى الإيمان ومقتضياته سيتحقَّق لك ما تريد ، ولذا سأضع أمامك قاعدةً تستدلُّ بها على وجود الإيمان أو عدمه ، يقول الإمام ابن الجوزي : "يا مطرودًا عن الباب ، يا محرومًا من لقاء الأحباب ، إذا أردت أن تعرف قدرك عند الملك ، فانظر فيما يستخدمك ، وبأيِّ الأعمال يشغلك ، كم عند باب الملك من واقفٍ ، لكن لا يدخل إلا من عني به ، ما كلّ قلبٍ يصلح للقرب ، ولا كلّ صدرٍ يحمل الحبّ ، ما كلّ نسيم يشبه نسيم السحر ".
فإذا أراد المرء أن يعرف أين هو من الله ، وأين هو من أوامره ونواهيه ، فلينظر إلى حاله وما هو مشغول به ، فإذا كان مشغولاً بالدعوة وأمورها ، وفى إنقاذ الخلق من النار، والعمل من أجل الفوز بالجنَّة ومساعدة الضعيف والمحتاج ، وبرِّ الوالدين ، فليبشر بقرب منزلته من ملك الملوك ، فإن الله لا يوفِّق للخير إلا من يحبّ.
وإذا كان منصرفًا عن الدعوة ، مبغضًا للدعاة ، بعيدًا عن فعل الخيرات ، منشغلاً بالدنيا وتحصيلها ، والقيل والقال وكثرة السؤال ، مع قلَّة العمل ، أو متَّبعًا لهواه وشهواته ، فليعلم أنَّه بعيدٌ من الله ، وقد حُرِم ممَّا يقرِّبه من الجنَّة ، إذ يقول الله عزَّ وجلَّ في كتابه الكريم : ( من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثمَّ جعلنا له جهنَّم يصلاها مذمومًا مدحورًا * ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمنٌ فأولئك كان سعيهم مشكوراً ).
أخي ...
إن أردت أن تحظى بمرتبةٍ متقدِّمةٍ في كلِّ أوجه الخير ، بما فيها أن تكون عبدًا ربَّانيّا وبارّا بوالديك ، ومبتغيًا الجنَّة ، فعليك بالآتي :
أوَّلاً :
عليك بإحياء وإيقاظ الإيمان داخل نفسك ، فالإيمان هو الموصلٌ لكلِّ ما ينشده المسلم في الدنيا والآخرة ، فالإيمان هو مفتاحٌ لكلِّ خيرٍ مغلاقٌ لكلِّ شرّ ، ووسائل بعث الإيمان وتمكينه في النفس كثيرةٌ ومتعدِّدة ، ومنها الإكثار من الطاعات والأعمال الصالحات .
ثانياً :
أن تقبل على مولاك إقبالاً صادقًا كما جاء في الأثر : " إذا أقبل عليَّ عبدي بقلبه وقالبه أقبلت عليه بقلوب عبادي مودَّةً ورحمة " .
وأن تجعل الله عزَّ وجلَّ الغاية الأسمى والهدف الأعلى : ( وما خلقت الجنَّ والإنس إلا ليعبدون ).
ثالثاً :
أن تتطلَّع دائمًا إلى الدرجات العلا، وأن تجعل هدفك في الحياة هو رضى الله عزَّ وجلّ ، والعمل من أجل الفوز بالجنَّة ، أو بالأحرى الفوز بالفردوس الأعلى ، وأن تعمل ما استطعت جاهدًا على تحقيق هذه الأهداف السامية .
رابعاً :
أن تتأسَّى بأصحاب القدوة في التاريخ الإسلامي من الصحابة والتابعين والسلف الصالح .
خامساً :
أن تغتنم كلَّ دقيقةٍ وكلَّ لحظةٍ وكلَّ خلجة قلبٍ في أن تجعلها خزانةً في رصيدك الإيماني .
سادساً :
الصحبة الصالحة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل ) رواه أبو داود والترمذيّ بسندٍ حسن ، فالصحبة الطيِّبة هي خير معينٍ على الطاعة وهجران المعاصي والشرور والوقوع في الخطايا .
سابعاً :
كثرة الفضائل من الأعمال الصالحات التي تحقِّق لك سعادة العاجل والآجل.
ثامناً :
قيام الليل والدعاء في وقت السحر ، فالرسول صلى الله عليه وسلم كانت تتورم قدماه رغبةً في أن يكون عبدًا شكوراً ، رغم أنَّ الله قد غفر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر.
تاسعاً :
المداومة على الورد القرآني ، وأوراد التفكُّر والتأمُّل والتدبُّر في أسرار القرآن .
عاشراً :
الحرص على نشر الدعوة في سبيل الله ، والعمل للدين على قدر الاستطاعة .
وإذا أردت أن تصل إلى الربانية التي تطمح لها فكن كما أمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم : ( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ) فالربانية هي الانتساب للرب ، وهذا الانتساب لا يتحقق إلا من خلال تطبيقنا لهذه الآية ، أن نكون لله رب العالمين في كل أحوالنا .
فالربانية لا تتأتى مكتملة إلا بهذا ، لا تتأتى إلا بعبادة الله عز وجل بالمفهوم الشامل للعبادة ، وهو جعل الحياة والممات ، بل الحركات والسكنات له سبحانه ، فلا ننطق إلا بما يرضي الله، ولا نعمل إلا ما يرضاه الله ، ولا تتوجه نياتنا في تلك الأقوال والأفعال إلا لله ، لا أن نختزل العبادة في مجرد أن نرفع رءوسنا ونخفضها في أوقات معينة ومحددة ، أو نخرج دريهمات قليلة كل مدة من الزمن ، أو نصوم أيامًا معدودات كل عام ، أو نحرك ألسنتنا ببعض التمتمات والأذكار .
ولهذا فالأعمال التي تؤدي إلى هذه المرتبة – الربانية – أكثر من أن تُحصَى أو تعد ، وهي تتشعب بتشعب مجالات حياتنا وأماكن وجودنا ، وذلك من فضل الله علينا وعلى الناس .
فقط ابحث في كل مكان تتواجد فيه ، وفي كل لحظة تمر عليك ، عما يرضيه عز وجل ، وعما تظن أنه يريد أن يراك عليه واعمل به ، تكن بذلك ربانياً .
وختاما نسأل الله أن يتقبل منا ومنك صالح العمل ، وأن يحشرنا وإياك في مستقر رحمته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، وحسًن أولئك رفيقاً .
المرجع موقع إسلام أون لاين .
الإسلام سؤال وجواب
17/5/2010
حدود وضوابط لباس المرأة أمام محارمها وأمام النساء
حدود وضوابط لباس المرأة أمام محارمها وأمام النساء
لباس المرأة بين النساء وأمام المحارم مما تساهلت به بعض النساء ، ولا شكّ أن لهذا التساهل آثاره الخطيرة التي وقفت على بعضها بنفسي ، وسأذكرها لا حقاً بعد بيان الحُكم .
عورة المرأة :
الصحيح أن عورة المرأة مع المرأة كعورة المرأة مع محارمها .
فيجوز أن تُبدي للنساء مواضع الزينة ومواضع الوضوء لمحارمها ولبنات جنسها .
أما التهتك في اللباس بحجة أن ذلك أمام النساء فليس من دين الله في شيء .
وليس بصحيح أن عورة المرأة مع المرأة كعورة الرجل مع الرجل ، أي من السرة إلى الركبة .
فهذا الأمر ليس عليه أثارة من علم ولا رائحة من دليل فلم يدل عليه دليل صحيح ولا ضعيف .
بل دلّت نصوص الكتاب والسنة على ما ذكرته أعلاه .
قال سبحانه وتعالى : ( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوْ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنْ الرِّجَالِ أَوْ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )
ووجه الدلالة أن الله ذكر النساء بعد ذكر المحارم وقبل ذكر مُلك اليمين .
فحُكم النساء مع النساء حُـكم ما ذُكِرَ قبلهن وما ذُكِرَ بعدهـنّ في الآية .
ولعلك تلحظ أن الله سبحانه وتعالى لم يذكر الأعمام والأخوال في هذه الآية ، وليس معنى ذلك أنهم ليسوا من المحارم .
قال عكرمة والشعبي : لم يذكر العم ولا الخال ؛ لأنهما ينعتان لأبنائهما ، ولا تضع خمارها عند العم والخال فأما الزوج فإنما ذلك كله من أجله فتتصنع له بما لا يكون بحضرة غيره .
وهذه الآية حـدَّدَتْ مَنْ تُظهـر لهم الزينة ، فللأجانب ( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ )
قال ابن مسعـود رضي الله عنه : الزينـة زينتان : فالظاهـرة منهـا الثياب ، وما خفي الخلخالان والقرطـان والسواران . رواه ابن جرير في التفسير والحاكم وصححه على شرط مسلم ، والطبراني في المعجم الكبير ، والطحاوي في مشكل الآثار .
قال ابن جرير : ولا يُـظهرن للناس الذين ليسوا لهن بمحرم زينتهن .
أما الزينـة المقصـودة في قوله تعـالى : ( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ ... ) الآية
فهذه يُوضِّحهـا علماء الإسلام .
قال البيهقي : والزينـة التي تبديهـا لهـؤلاء الناس قرطاهـا وقلادتهـا وسواراها ، فأما خلخالها ومعضدتهـا ونحرهـا وشعرهـا ، فلا تبديه إلا لزوجهـا . وروينا عـن مجاهـد أنه قـال : يعني به القرطين والسالفة والساعـدين والقدمين ، وهـذا هو الأفضل ألاّ تبدي من زينتها الباطنة شيئا لغير زوجهـا إلا ما يظهر منها في مهنتها . اهـ .
وقوله ( لهؤلاء الناس ) : أي المذكورين في الآية من المحارم ابتداءً بالبعل ( الزوج ) وانتهاءً بالطفل الذي لم يظهر على عورات النساء ، ثم استثنى الزوج . والمعضدة ما يُلبس في العضد .
ويؤيد هذا قولـه صلى الله عليه وسلم : المـرأة عورة . رواه الترمذي وغيره ، وهو حديث صحيح ، فلا يُستثنى من ذلك إلا ما استثناه الدليل .
وأما قول إن عـورة المـرأة مع المرأة كعورة الرجل مع الرجل فليس عليه أثارة من علم ، ولا رائحة من دليل ، ولو كان ضعيفـاً .
إذاً فالصحيح أن عورة المرأة مع المرأة ليست كعورة الرجل مع الرجل ، من السرة إلى الركبة ، وإن قال به من قال .
بل عورة المرأة مع المرأة أكثر من ذلك .
ويؤيّد ذلك أيضـا أن الأمَـة على النصف من الحُرّة في الحـدِّ ، لقوله تعالى : ( فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ) .
والأمَـة على النصف في العورة لما رواه أبو داود من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا زوج أحدكم خادمه عبده أو أجيره فلا ينظـر إلى ما دون السرة وفوق الركبة . وحسّنه الألباني وزاد نسبته للإمام أحمد .
وإذا كان ذلك في الأمَة التي هـي على النصف من الحـرة في الحدِّ والعورة وغيرها ، فالحُـرّة لا شك أنها ضِعف الأمَة في الحـدِّ والعورة وغيرها مع المحـارم والنساء .
قال البيهقي : والصحيح أنها لا تبدي لسيِّدها بعدما زوّجها ، ولا الحـرة لذوي محارمها إلا ما يَظهـر منها في حال المهنة . وبالله التوفيق .
وقال شيخ الإسـلام ابن تيمية : والحجـاب مختص بالحرائر دون الإماء ، كما كانت سنة المؤمنين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاءه إن الحـرة تحتجب ، والأمَـة تبرُز ، وكان عمر رضي الله عنه إذا رأى أمَة مختمـرة ضربها ، وقال : أتتشبهين بالحـرائر ! أيْ لكـاع . فَيَظْهَر من الأمَة رأسها ويداها ووجهها … وكذلك الأمَـة إذا كان يُخاف بها الفتنة كان عليها أن ترخي من جلبابهـا وتحتجب ، ووجب غض البصر عنهـا ومنهـا ، وليس في الكتاب والسنة إباحة النظر إلى عامة الإماء ولا ترك احتجابهن وإبداء زينتهن ، ولكن القـرآن لم يأمرهـن بمـا أمر الحرائر … فإذا كان في ظهـور الأمَة والنظر إليها فتنة وجب المنع من ذلك كما لو كانت في غير ذلك ، وهكذا الرجل مع الرجال ، والمرأة مع النساء : لـو كـان في المرأة فتنة للنساء ، وفى الرجل فتنة للرجال لَكَانَ الأمر بالغض للناظر من بَصَرِهِ متوجِّها كما يتوجَّه إليه الأمر بِحِفْظِ فَرْجِه . انتهى كلامه – رحمه الله – .
وقول عمر هذا . قال عنه الألباني : هذا ثابت من قول عمر رضي الله عنه .
وهذا الفعل من عمر رضي الله عنه من أقوى الأدلة على اختصاص الحرائر بالحجاب – الخمـار ، وهو غطـاء الوجه – دون الإماء ، وأن من كشفت وجهها فقد تشبّهت بالإمـاء ! .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – : بل كانت عادة المؤمنين أن تحتجب منهم الحرائر دون الإماء .
وما أعظم ما تفتتن به النسـاء بعضهـن ببعض ، خاصة الفتيات في هذا الزمن ، فيما يُسمّى بالإعجاب نتيجة التزيّن والتساهل في اللباس ولو كان أمام النساء ، والشرع قد جاء بتحصيل المصالح وتكميلها ، وتقليل المفاسد وإعدامها .
ومما يَدلّ على أنه لا يجـوز للمـرأة أن تُبدي شيئاً مِن جسدها أمـام النسـاء إلا ما تقدّم ذِكره من مواضع الزينة ومواضع الوضوء إنكار نساء الصحابة على من كُنّ يدخلن الحمامات العامة للاغتسال ، وكان ذلك في أوساط النساء .
والحمام هو مكان الاغتسال الجماعي سواء للرجال مع بعضهم ، أو للنساء مع بعضهن .
وهو الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : الحمام حرام على نساء أمتي . رواه الحاكم ، وصححه الألباني .
وقد دخلت نسوة من أهل الشام على عائشة رضي الله عنها فقالت : لعلكن من الكُـورَة التي تدخـل نساؤهـا الحمّـام ؟ سمعت رسـول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أيما امـرأة وضعت ثيابها في غير بيت زوجهـا ، فقد هتكت سترهـا فيما بينهـا وبين الله عز وجلّ . رواه الإمام أحمد وغيره ، وهو حديث صحيح .
ولذا كان عمر رضي الله عنه يكتب إلى الآفاق : لا تدخلن امرأة مسلمة الحمام إلا من سقم ، وعلموا نساءكم سورة النور . رواه عبد الرزاق .
ومثل الحمامات : النوادي النسائية التي يُنادي بها أشباه الرجال فإن النساء تُمـارس فيها " الرياضة " وتنزع المرأة ثيابها من أجل السباحة .
ومثلها المشاغل النسائية وما يدخل في حُـكمها .
فإذا كانت المرأة تُمنع من دخول الحمّام ، ولو كان خاصاً بالنسـاء ، وتُمنع من نـزع ثيابهـا ولو بحضرة النسـاء ، كان من المتعيّن أن عـورة المرأة مع المرأة كعورة المـرأة مع محارمها ، لا كعورة الرجل مع الرجل فلا تُبدي لمحـارمـها ونسـاءها إلا مواضع الـوضوء والزينة ، وهي : الوجـه والـرأس والعنق واليدين إلى المرفقين والقدمين .
ثم لو افترضنا – جدلاً – أن عورة المرأة كعورة الرجل مع الرجل . لو افترضنا ذلك افتراضاً .
فأين ذهبت مكارم الأخلاق ؟
أليس هذا من خوارم المروءة ؟
إن عورة الرجل مع الرجل من السرة إلى الركبة ، ومع ذلك لو خرج الرجل بهذا اللباس لم يكن آثما ، إلا أنه مما يُذمّ ويدعو إلى التنقص .
فإن الأطفال بل والمجانين لا يخرجون بمثل هذا اللباس !
بل حتى الكفار الذين لا يُراعون دين ولا عادة لا يلبسون مثل هذا اللباس عند ذهابهم لأعمالهم أو اجتماعاتهم ونحو ذلك .
فلو كان لباس المرأة كذلك . فأين مكارم الأخلاق ؟
هذا بالإضافة إلى أنه تبيّن مما تقدّم من الأدلة أن عورة المرأة مع المرأة ليست كعورة الرجل مع الرجل .
إن نساء السلف حرصن على عدم لبس ما يشف أو يصف ، ولو كُـنّ كباراً .
ولذا لما قَدِمَ المنذر بن الزبير من العراق فأرسل إلى أسماء بنت أبي بكر بكسوة من ثياب رقاق عتاق بعدما كف بصرُها . قال : فلمستها بيدها ، ثم قالت : أف ! ردوا عليه كسوته . قال : فشق ذلك عليه ، وقال : يا أمه إنه لا يشف . قالت : إنها إن لم تشف ، فإنـها تصف ، فاشترى لها ثيابا مروية فقَبِلَتْها . رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى .
وبناء عليه فيُمنع من لبس الضيق والشفاف حتى في أوساط النساء وعند المحارم .
والله أعلم .
كتبه
عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
الرياض – 1423 هـ
11/5/2010
5/5/2010
العمل بالحديث أم بالمذاهب
شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
مسألة:
في رجُلٍ تفقَّه في مذْهبٍ من المذاهب الأربعة وتبصَّر فيه، واشتغلَ بَعدَهُ بالحديث، فرأى أحاديثَ صحيحةً لا يعلمُ لها ناسِخاً ولا خصماً ولا مُعارضاً وذلك المذهبُ مُخالفٌ لها، هل يجوزُ له العملُ بذلكَ المذهبِ، أو يَجِبُ عليه الرجوعُ إلى العملِ بالأحاديثِ ومُخالَفَةِ مذهَبِه ؟
الجواب:
الحمدُ لله، قد ثَبَتَ بالكتابِ، والسنَّةِ، والإجماعِ أنَّ الله سُبحانهُ وتعالى فَرَضَ على الخلقِ طاعَتَهُ وطاعَةَ رسُولِهِ، ولم يُوجِبْ على هذه الأمَّةِ طاعَةَ أحدٍ بِعينهِ في كُلِّ ما يأمُرُ به وينهى عنه، إلا رَسُولَ اللهِ -صَلَّى الله عليهِ وَسَلَّمَ- حتى كان صدِّيقُ الأمَّةَ وأفضلُها بعد نبيها يقولُ: أطيعوني ما أطعتُ الله، فإذا عصيتُ الله فلا طاعة لي عليكم.
واتفقوا كلُّهم على أنه ليسَ أحدٌ معصوماً في كلِّ ما يأمُرُ به وينهى عنه إلا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا قال غَيرُ واحدٍ من الأئِمّةِ: كُلُّ أحدٍ من الناسِ يؤخذُ من قولِهِ ويُتركُ، إلا رَسُولَ الله صلَّى الله عليهِ وسلَّمَ.
وهؤلاءِ الأئِمةُ الأربعةُ -رضي الله عنهُم-، قد نَهَوا الناسَ عن تقليدِهِم في كل ما يقولونَهُ، وذلكَ هو الواجبُ عليهم، فقالَ أبو حنيفَةَ: هذا رأيي فمن جاءَ برأيٍ خيرٍ منه قبلناه، ولهذا لَمَّا احتَجَّ أفضلُ أصْحابِهِ أبو يوسُفَ، أتى مالِكاً فسألهُ عن مسألةِ الصاعِ وصدقةِ الخضراواتِ، ومسألةِ الأجناسِ. فأخبَرَهُ مالكٌ بما يدُلُّ على السنَّةِ في ذلك، فقال: رَجعتُ إلى قولِك يا أبا عبد الله، ولو رأى صاحبي ما رأيت لرَجعَ كما رجعت إلى قولك يا أبا عبد الله.
ومالكٌ كان يقول: إنّما أنا بشرٌ أصيبُ وأخطئ، فاعرِضوا قولي على الكتاب والسنة. أو كلاماً هذا معناه.
والشافعيُّ كان يقول: إذا صَحَّ الحديثُ فاضربوا بقولي الحائط، وإذا رأيتَ الحُجَّةَ موضوعةً على الطريق فهي قولي. وفي "مختصر المزني" لما ذكر أنه اختصره من مذهبِ الشافعي لمن أراد معرفةَ مذهبهِ قال: مع إعلامة نهيهِ عن تقليدِهِ وتقليدِ غيرِهِ من العلماء.
والإمامُ أحمدَ كان يقولُ: لا تُقلِّدني ولا تقلِّد مالكاً، ولا الشافعي، ولا الثوري، وتَعَلَّم كما تعلَّمنَا. فكان يقولُ لمن قلَّدهُ: حرامٌ على الرجلِ أن يُقلِّدَ في دِينهِ الرِّجالَ، وقال: لا تقلِّد في دِينكَ الرِّجالَ، فإنهم لن يسلّمُوا من أن يغلَطُوا.
وقد ثبت في الصحيح: عن النبي -صلَّى الله عليهِ وسلمَ- أنه قال: « مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ » ولازِمُ ذلكَ أنَّ من لم يُفقِّههُ الله في الدين لم يُرِدْ به خيرًا فيكونُ التَّفقُّهُ في الدينِ فرضاً. والفقهُ في الدينِ: معرفةُ الأحكامِ الشرعيّةِ بأدِلتِها السمعية، فمن لم يَعرِف ذلكَ لم يكُنْ متفقِّهاً في الدين، لكن من الناسِ من قد يَعجزُ عن معرِفةِ الأدلِّةِ التفصيليِّةِ في جميعِ أمورِهِ، فيسقُطُ عنه ما يعجزُ عن معرفتهِ، لا كل ما يعجزُ عنه من التفقُّهِ، ويلزمُ ما يقدرُ عليهِ، وأمّا القادرُ على الاستدلالِ فقيل: يَحْرُمُ عليه التقليدُ مطلقاً، وقيل: يجوز مطلقاً. وقيل: يجوزُ عند الحاجةِ، كما إذا ضاقَ الوقتُ عن الاستدلال، وهذا القول أعدل.
والاجتهاد ليسَ هو أمرٌ واحدٌ لا يقبل التجزيء والانقسام، بل قد يكونُ الرجلُ مجتهداً في فنٍّ أو بابٍٍ أو مسألةٍ، دونَ فنٍّ وبابٍ ومسألةٍ، وكلُّ أحدٍ فاجتهاده بحسبِ وسعِهِ. فمن نظرَ في مسألةٍ تنازع العلماء فيها ورأى مع أحدِ القولين نصوصاً لم يعلم لها مُعارضاً بعد نَظَرِ مِثلهِ، فهو بين أمرين:
إما أن يتَّبعَ قول القائل الآخر لمجرد كونِه الإمام الذي اشتغلَ على مذهبه، ومثلُ هذا ليس بحجةٍ شرعية، بل مجردُ عادةٍ يعارِضُها عادَةُ غيرهِ اشتغَالَهُ على مذهب إمامٍ آخر.
وإما أن يتَّبع القول الذي تَرَجَّحَ في نظره بالنصوص الدالة عليه. وحينئذٍ فتكونُ موافقتُهُ لإمامٍ يقاوِمُ ذلك الإمامَ وتبقى النصوص سالمةً في حقه عن المعارض بالعمل فهذا هو الذي يَصلُح.
وإنما تَنَزَّلنا هذا التنَزُّل لأنه قد يُقال: إنَّ نَظَرَ هذا قاصِرٌ وليس اجتهادُهُ قائماً في هذه المسألة لِضعفِ آلة الاجتهاد في حقه. أمَّا إذا قَدَرَ على الاجتهادِ التّامِّ الذي يعتقدُ معه أن القول الآخر ليس معَهُ ما يدفَعُ به النص، فهذا يجبُ عليه اتِّباعُ النصوص، وإن لم يفعل كان متبعاً للظن وما تَهوى الأنفُس، وكان من أكبرِ العُصاةِ لله ولرسوله، بخلاف من قد يقول: قد يكونُ للقولِ الآخَرِ حُجَّةٌ راجحةٌ على هذا النص وأنا لا أعلمُها، فهذا يقال له: قد قال الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-:« إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ » والذي تستطيعُهُ من العلمِ والفقه في هذه المسألة قد دلك على أن هذا القول هو الراجح فعليك أن تتبع ذلك، ثم إن تبين لك فيما بعد أن للنص مُعارضاً راجحاً كان حُكمُكَ في ذلك حُكمُ المجتهد المستقِلِّ، إذا تغير اجتهادُه. وانتِقَالُ الإنسان من قول إلى قول لأجلِ ما تبيّنَ من الحق هو محمود فيه، بِخلافِ إصراره على قولٍ لا حُجَّةَ معه عليه، وتركُ القولِ الذي توضَّحت حُجَّتُهُ، أو الانتقال عن قولٍ إلى قولٍ لِمُجرَّدِ عادةٍ واتِّباعِ هوى، فهذا مذموم.
وإذا كان الإمامُ الْمُقلَّدُ قد سَمِعَ الحديثَ وتركَهُ، لا سيَّما إذا كان قد رواه أيضاً فمِثلُ هذا وحدَهُ لا يكونُ عُذراً في ترك النص، فقد بيّنّا فيما كتبناه في "رَفعِ الملامِ عن الأئِمةِ الأعلام" نحوَ عشرينَ عذراً للأئمةِ في ترك العملِ لبعض الحديث، وبيّنا أنّهم يُعذَرُونَ في التّركِ لتِلكَ الأعذار، وأمَّا نحنُ فمعذورون في تركنا لهذا القول.
فمن ترك الحديثَ لاعتقاده أن ظاهِرَ القرآن يُخالِفُه وأنَّ نصَّ الحديثِ الصحيحِ مقدمٌ على الظواهِرِ، ومقدمٌ على القياسِ والعمل، لم يكن عُذرُ ذلك الرجلِ عُذراً في حقه، فإنَّ ظُهُورَ المدارِكِ الشرعيةِ للأذهانِ وخَفَاءَها عنها أمرٌ لا ينضبطُ طرفاه، لا سيَّما إذا كان التاركُ للحديثِ مُعتقِداً أنه قد ترك العمل به المهاجرون والأنصار، من أهل المدينة النبوية وغيرها، الذين يقالُ إنهم لا يتركون الحديث إلا لاعتقادِهم أنه منسوخ أو مُعارَضٌ براجح، وقد بلَغَ مَنْ بَعْدهُ أنَّ المهاجرين والأنصار لم يتركوه، بل عَمِلَ به طائفةٌ منهُم، أو من سَمِعَهُ منهم ونحو ذلك مما يقدح في هذا المعارِضُ للنص.
وإذا قيل لهذا المستهدي المسترشد: أنتَ أعلمُ أم الإمام الفلاني، كانت هذه معارضةٌ فاسدة؛ لأن الإمام الفلاني قد خالَفَهُ في هذه المسألة من هو نظيرُهُ من الأئمة إلى نسبة أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وابن مسعود، وأُبيُّ، ومعاذٍ، ونحوهم من الأئمة وغيرهم، فكما أن هؤلاء الصحابة بعضُهُم لبعضٍ أكفَاءُ في موارِدِ النِّزاع، وإذا تنازعوا في شيءٍ ردُّوا ما تنازعوا فيه إلى الله والرَّسول، وإن كان بعضُهُم قد يكون أعلَمُ في مواضع أُخَرَ، فكذلك موارِدُ النِّزاعِ بين الأئمة، وقد ترك الناسُ قولَ عمر وابن مسعود في مسألة تيمم الجُنُب، وأخذوا بقول من هو دونَهُما: كأبي موسى الأشعري، وغيره، لما احتجَّ بالكتاب والسنة، وتركوا قول عمر في دية الأصابع، وأخذوا بقول معاوية لما كان معه السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « هذه وهذه سواء ». وقد كان بعضُ الناس يُناظِرُ ابن عباس في الْمُتعة فقال له: قال أبو بكر وعمر، فقال ابن عباس: يوشِكُ أن تنزل عليكم حجارةٌ من السماء، أقول: قال رسول الله، وتقولون: قال أبو بكر وعمر، ؟ وكذلك ابن عمر لما سألوه عنها فأمر بها فعارضوا بقول عمر، فتبين لهم أن عمر لم يُرِد ما يقولونه، فألَحُّوا عليه فقال لهم: أمرُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أحقُّ أن تتبعوا أم أمرُ عمر ؟ مع علم الناس أن أبا بكر وعمر أعلَمُهُم من فوقِ ابن عمر وابن عباس. ولو فُتِحَ هذا الباب لوَجَبَ أن يُعرِضَ عن أمر الله ورسوله، ويبقى كلُّ إمامٍ في أتْبَاعِهِ بمنزلة النبي صلى الله عليه وسلم في أمته، وهذا تبديل للدين يشبه ما عابَ الله به النصارى في قوله: { اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إلَّا لِيَعْبُدُوا إلَهًا وَاحِدًا لَا إلَهَ إلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ }. والله سبحانه أعلم والحمد لله.
نقله لكم
من مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله(20/210)