29‏/12‏/2009

حكم التنفل بعد صلاة العصر..

اختلف العلماء في الصلاة بعد العصر على أقوال :

الأول : كراهية التنفل مطلقاً, سواء أكان تنفلاً بسبب أم من غير سبب , فلا يُصلَّى في هذا الوقت إلا الفريضة الفائتة . وهذا مذهب أبي حنيفة وأصحابه , كما حكاه عنهم أبو جعفر الطحاوي في ( شرح معاني الآثار )

الثاني : كراهية التنفل المطلق , أما التنفل الذي له سبب فليس يُكره أن يُصلَّى في هذا الوقت . وهذا مذهب الشافعي .

قال النووي : مذهبنا ان النهي عن الصلاة في هذه الاوقات ( يعني : أوقات النهي عن الصلاة ) إنما هو عن صلاة لا سبب لها , فاما ما لها سبب فلا كراهة فيها , والمراد بذات السبب : التى لها سبب متقدم عليها . فمن ذوات الاسباب : الفائتة فريضة كانت أو نافلة إذا قلنا بالاصح أنه يسن قضاء النوافل فله في هذه الاوقات قضاء الفرائض والنوافل الراتبة وغيرها وقضاء نافلة اتخذها وردا , وله فعل المنذورة , وصلاة الجنازة , وسجود التلاوة , والشكر , وصلاة الكسوف , وصلاة الطواف , ولو توضأ في هذه الاوقات فله أن يصلى ركعتي الوضوء . اهـ ( المجموع شرح المهذب 4/170 )

قلت : وهذا المذهب هو رواية عن الإمام أحمد , قدَّمها المجد ابن تيمية في المحرر ( 1/86 ) , واختار هذا المذهب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه الإمام ابن القيم , وقال عنه الشيخ الإمام عبدالعزيز بن باز : هو أصح الأقوال , وبه تجتمع الأخبار . اهـ ( تعليقات الشيخ ابن باز على فتح الباري 4/364 طبعة دار طيبة )

الثالث : إباحة التنفل مطلقاً ؛ بسبب ومن غير سبب . قال الحافظ ابن حجر : وبه قال داود وغيره من أهل الظاهر, وبذلك جزم بن حزم . اهـ ( فتح الباري 4/364 طبعة دار طيبة )

قلت : كذا قال الحافظ , والذي في ( المحلى 3/7_8 ) أن ابن حزم خالف داود في هذه المسألة ؛ حيث منع من التنفل عند اصفرار الشمس , وأما داود فقد أباحه مطلقاً .

وادعى هولاء أن أحاديث النهي منسوخة , كما قال الحافظ ابن حجر . وذكر أن الناسخ عندهم هو حديث : ( من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فليصل إليها أخرى )

فدل على إباحة الصلاة في الأوقات المنهية . كذا قالوا , وفيه نظر ظاهر .

الرابع : إباحة التنفل مطلقاً بعد العصر والشمس حية , ( أي : قبل اصفرار الشمس ) , وهذا المذهب يُروي عن عبدالله بن عمر رضي الله عنه كما في فتح الباري ( فتح الباري 2/370 طبعة دار طيبة )

وهو اختيار الإمام ابن خزيمة كما يظهر من تبويبه للحديث في ( صحيحه 2/265 ) , كما اختاره الحافظ ابن حزم , ورجحه من المعاصرين الشيخُ العلامةُ محمد ناصر الدين الألباني كما في ( السلسلة الصحيحة برقم 200 ) , وحجة هذا القول هو الحديث أخرجه أبو داود ( 1274 ) , والنسائي ( 1/280 ) , وأحمد ( 2/ 46 طبعة الرسالة ) وغيرهم من حديث عَلِيٍّ رَضِي اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ إِلَّا وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ .

وفي رواية الإمام أحمد قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( لا يُصَلَّى بعد العصر الا أن تكون الشمسُ بيضاءَ مرتفعةً )

قال الحافظ ابن حجر : إسناده صحيح قوي . ( فتح الباري 2/370 طبعة دار طيبة )

وقال الشيخ الألباني : إسناده صحيح , وكذلك قال الحافظان العراقي والعسقلاني , وصححه ابن حبان أيضاً وابن حزم . اهـ ( صحيح سنن أبي داود _ الأصل _ 5/19 )

وهذا المذهب هو أرجح الأقوال في هذه المسألة , والله تعالى أعلم .

***********


اختُلف في حكم التنفل بعد صلاة العصر على قولين :

الأول : أن الصلاة بعد العصر منهي عنها مطلقاً لعموم آحاديث النهي , وبه قال جماهير العلماء ( المجموع 4 / 175 )

ومرادهم بهذا الوقت المنهي عنه هو المتعلق في حق كل إنسان بفراغه من الصلاة الحاظرة .

قال ابن قدامة : (والنهي عن الصلاة بعد العصر متعلق بفعل الصلاة , فمن لم يصل أبيح له التنفل , وإن صلى غيره , ومن صلى العصر فليس له التنفل وإن لم يصل أحد سواه . لا نعلم في هذا خلافاً عند من يمنع الصلاة بعد العصر ... ) ( المغني 2 / 525 )

وقد خص بعضهم هذا العموم بالصلوات ذوات الأسباب كرعتي الطواف وصلاة الجنازة وتحية المسجد , وصلاة الكسوف , وقضاء السنن الراتبة ... ( الزركشي 2 / 58 )

أي أن النهي مخصوص لما لا يلزم وما ليس له سببا . ( الأم 1 / 269 ) , ( المغني 2 / 527 )

واستدل أصحاب هذا القول بما يلي :

1 ) ما رواه البخاري , ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال : سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول : " لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس , ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس " ( خ : 586 , م : 827 )

2 ) وما رواه الشيخان وغيرهما عن ابن عباس – رضي الله عنهما - : " أن النبي - صلى الله عليه وسلم – نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس , وبعد العصر حتى تغرب ) ( خ : 581 , م : 826 )

وغيرهما من آحاديث العموم في النهي عن الصلاة في هذين الوقتين .

ومن الأدلة على ذلك قولهم : أن عمر رضي الله عنه كان ينهى عن الركعتين بعد العصر ويضرب عليهما .

القول الثاني : مشروعية الصلاة النافلة بعد العصر ما لم تصفر الشمس , وأن وقت النهي يبدأ من اصفرار الشمس حتى غروبها , أي قبيل الغروب .

وأجابوا عن أدلة القول الأول , بأن هذه الآحاديث عامة , وقد ثبت ما يخصص هذا العموم .

1 ) فقد روى أبو داود والنسائي من حديث علي – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم – ( نهى عن الصلاة بعد العصر إلا والشمس مرتفعة ) وفي المسند : ( لا تصلوا بعد العصر إلا أن تصلوا والشمس مرتفعة ) ( السلسلة الصحيحة 1 / 341 )

2 ) وعن ابن عمر – رضي الله عنهما – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : ( لا يتحرى أحدكم فيصلي عند طلوع الشمس ولا عند غروبها ) وقد بوب البخاري على هذا الحديث بقوله : ( باب لا يتحرى الصلاة قبل غروب الشمس 1 / 585 ) مشيراً إلى أن النهي إنما هو مخصوص بوقت الغروب .

3) وفي الصحيحين من حديث عائشة – رضي الله عنها – أنها قالت : ( صلاتان ما تركهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم – في بيتي قط سرا ولا علانية : ركعتين قبل الفجر , وركعتين بعد العصر ) وهذا لفظ مسلم

قال ابن المنذر : فإذا جاز أن يتطوع بعد العصر بركعتين جاز أن يتطوع المرء ما شاء من التطوع فيها ( الأوسط 2 / 390 )

وفي الأصل أن هاتين الركعتين كانتا قضاء لسنة الظهر البعدية .

ففي الصحيحين أن أم سلمة سألت النبي - صلى الله عليه وسلم – عن هاتين الركعتين فقال : ( إنه أتاني ناس من عبدالقيس بالإسلام من قومهم فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر فهما هاتان )

وزاد مسلم ؛ أن عائشة رضي الله عنها قالت : ( ثم أثبتهما , وكان إذا صلى صلاة أثبتها , تعني داوم عليها )

قال ابن حزم : بهذا تعلق الشافعي , ولا حجة له فيه , لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – لم يقل إنهما لا تجوزان إلا لمن نسيهما أو شغل عنهما , ولو لم تكن صلاتهما حينئذ جائزة حسنة ما أثبتهما في وقت لا تجوز فيه . ! ( المحلى 1 / 265 )

4 ) وفي مصنف ابن أبي شيبة ( 2 / 352 ) : حدثنا عفان قال : نا أبو عوانة قال : ثنا إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه : أنه كان يصلي بعد العصر ركعتين , فقيل له ؟ فقال : لو لم أصلهما إلا أني رأيت مسروقاً يصليها لكان ثقة , ولكني سألت عائشة ؟ فقالت : ( كان لا يدع ركعتين قبل الفجر , وركعتين بعد العصر )

قال الألباني : وهذا إسناد صحيح غاية على شرط الشيخين ( الصحيحة 6 / 1010 )

5 ) وفي المسند من حديث عائشة أيضاً : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – كان يصلي ركعتين بعد العصر ) وفي رواية : ( ما من يوم يأتي على النبي – صلى الله عليه وسلم – إلا صلى بعد العصر ركعتين ) وفي رواية : ( ركعتان لم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – يدعهما سراً ولا علانية : ركعتان قبل الصبح , وركعتان بعد العصر ) ( الصحيحة 6 / 1011 – 1012 )

6 ) وقد ثبت عن جماعة من الصحابة ومن بعدهم صلاة ركعتين بعد العصر , ومن هؤلاء : عائشة , وأم سلمة , وعلي بن أبي طالب , والزبير وابنه عبد الله , وتميم الداري , والنعمان بن بشير , وأبو أيوب الأنصاري , وأبو بردة بن أبي موسى, وأبو الشعثاء , وعمرو بن ميمون , والأسود بن يزيد , وأبو وائل, ومحمد بن المنتشر , ومسروق , وغيرهم ... ( الأوسط 2 / 392 ) ( التمهيد 13 / 33 – 37 ) وانظر ( الصحيحة 6 / 1012 )

فلا حجة بعد ذلك لمن تمسك بفعل عمر – رضي الله عنه – مع وجود المخالف له من الصحابة

بل كان عمر – رضي الله عنه يصليهما , وأما ما ثبت عنه أنه كان ينهى عنهما ويضرب عليهما فقد جاءت روايات أخرى عند عبد الرزاق وغيره أنه كان يفعل ذلك خشية أن يتمادى الناس في الصلاة بعد العصر حتى يصلوا في وقت النهي , ومن ذلك قوله : ( أخاف أن يأتي بعدكم قوم يصلون ما بين العصر إلى المغرب حتى يمروا بالساعة التي نهى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن يُصلى فيها ) ( مصنف عبد الرزاق 2 / 431 )

وفي مسند السراج ( 1 / 132 ) : عن المقدام بن شريح عن أبيه قال : سألت عائشة عن صلاة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كيف كان يصلي ؟ فقالت : ( كان يصلي الهجير ثم يصلي بعدها ركعتين , ثم يصلي العصر ثم يصلي بعدها ركعتين . فقلت : فقد كان عمر يضرب عليها وينهى عنهما ؟ فقالت : قد كان عمر يصليهما , وقد علم أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كام يصليهما , ولكن قومك أهل الدِّين قوم طغام ؛ يصلون الظهر , ثم يصلون ما بيين الظهر والعصر , ويصلون العصر ثم يصلون ما بين العصر والمغرب ,

فضربهم عمر , وقد أحسن ) .

قال الألباني : وإسناده صحيح , ثم قال : وهو نص صريح أن نهي عمر عن الركعتين ليس لذاتهما كما يتوهم الكثيرون , وإنما هو خشية الاستمرار في الصلاة بعدهما , أو تأخيرهما إلى وقت الكراهة , وهو اصفرار الشمس , وهذا الوقت هو المراد بالنهي ... ( الصحيحة 6 / 1013 ) .