بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
( سلسلة تـفـسـيـر وتـحـفـيـظ الـقـرآن الـكـريـم )
[ آيـــات الــيــوم(91) ]
الاثنين– (13/رمضان/1431هـ) – (23/08/2010م)
سورة آل عمران من الآية: (118) إلى (120)
اللَّهُمَّ اْرْحَمْنيِ بالقُرْءَانِ وَاْجْعَلهُ لي إِمَاماً وَ نُوراً وَهُدى وَرَحْمَه
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (118) هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119) إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120)
شرح الكلمات
{بطانة}: بطانة الرجل الذي يطلعهم على باطن أمره الذي يخفيه على الناس للمصلحة.
{من دونكم}: من غيركم أي من غير المسلمين كالكفار وأهل الكتاب.
{لا يألونكم}: لا يقصرون في إفساد الأمور عليكم.
{خبالاً}: فساداً في أمور دينكم وديناكم.
{ودوا ما عنتم}: أحبّوا عنتكم أي مشقتكم.
{بدت البغضاء}: ظهرت شدة بغضهم لكم.
{أولاء}: هؤلاء حذفت منه هاء التنبيه لوجودها في ها أنتم قبلها.
{بالكتاب كله}: أي بالكتب الإِلهية كلها.
{حسنة}: ما يحسن من أنواع الخير كالنصر والتأييد والقوة والخير.
{سيئة}: ما يسوءكم كالهزيمة أو الموت أو المجاعة.
{كيدهم}: مكرهم بكم وتبييت الشر لكم.
{بما يعملون محيط}: علماً وقدرة عليه، إذ هم واقعون تحت قهره وعظيم سلطانه.
معنى الآيات
لما أخبر تعالى عن مصير الكافرين في الآخرة، وأن ذلك المصير المظلم كان نتيجة كفرهم وظلمهم حذر المؤمنين من موالاته دون المؤمنين وخاصة أولئك الذين يحملون في صدورهم الغيظ والبغضاء للمسلمين الذي لا يقصرون في العمل على إفساد أحوال المسلمين والذين يسوءهم أن يروا المسلمين متآلفين متحابين أقوياء ظاهرين منصورين على أهل الشرك والكفر، ويسرهم أيضا أن يروا المسلمين مختلفين أو ضعفاء منكسرين مغلوبين. فقال تعالى -وقوله تعالى- { يا أيها الذين آمنوا } أي بالله رباً وبالإِسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيّاً ورسولاً. { لا تتخذوا بطانة } أي أفراداً من دونكم أي من غير أهل دينكم، كاليهود والنصارى والمنافقين والمشركين تستشيرونهم وتطلعونهم على أسراركم وبواطن أموركم. ووصفهم تعالى تعريفاً. بهم فقال: { لا يألونكم خبالاً } يعني لا يقصرون في إفساد أموركم الدينية والدنيوية. { ودوا ما عنتم } أي أحبوا عنتكم ومشقتكم، فلذا هم لا يشيرون عليكم إلا بما يفسد عليكم أموركم ويسبب لكم الكوارث ولامصائب في حياتكم وقوله تعالى { قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر } وصف آخر مشخص لهؤلاء الأعداء المحرم اتخاذهم بطانة، ألا وهو ظهور البغضاء من أفواههم بما تنطق به ألسنتهم من كلمات الكفر والعداء للإِسلام وأهله، وما يخفونه من ذلك في صدورهم وهو أكبر مما يتفلت من ألسنتهم. ويؤكد عز وجل تحذيره للمؤمنين فيقول: { قد بينّا لكم الآيات } المتضمنة لبيان أعدائكم وأحوالهم وصفاتهم لتعتبروا { إن كنتم تعقلون } أي الخطاب وما يتلى عليكم ويقال لكم. ثم يقول تعالى معلماً محذراً أنتم أيها المسلمون تحبونهم ولا يحبونكم. قد علم الله أن من بين المؤمنين من يحب بعض الكافرين لعلاقة الإِحسان الظاهرة بينهم فأخبر تعالى عن هؤلاء كما أن رحمة المؤمن وشفقته قد تتعدى حتى لأعدائه لفذا ذكر تعالى هذا وأخبر به وهو الحق، وقال: { تؤمنون بالكتاب كله } أي وهم لا يؤمنون بكتابكم فانظروا إلى الفرق بينكم وبينهم فكيف إذاً تتخذونهم بطانة تفضون إليهم بأسراركم.وأخبر تعالى عن المنافقين أنهم إذا لقوا المؤمنين قالوا إنا مؤمنون وإذا انفردوا عنهم وخلوا بأنفسهم ذكروهم وتغيظوا عليهم حتى يعضوا أطراف أصابعهم من شدة الغيظ. فقال تعالى { وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ } وهنا أمر رسوله أن يدعوا عليهم بالهلاك فقال له: قل يا رسولنا لهم { موتوا بغيظكم،إن الله عليم بذات الصدور } فلذا أخبر عنهم كاشفاً الغطاء عما تكنه نفوسهم ويخفونه في صدورهم.
هذا ما تضمنته الآيتان الأولى (118) والثانية (119) وأما الثالثة (120) فقد تضمنت أيضا بيان صفة نفسيّة للكافرين المنهى عن اتخاذهم بطانة وهو استياؤهم وتألمهم لما يرونه من حسن حال المسلمين كإتلافهم واجتماع كلمتهم ونصرهم وعزتهم وقوتهم وسعة رزقهم، كما هو أيضاً فرحهم وسرورهم بما قد يشاهدونه من خلاف بين المسلمين أو وقوع هزيمة لجيش من جيوشهم، أو تغير حال عليهم بما يضر ولا يسر وهذه نهاية العداوة شدة البغضاء فهل مثل هؤلاء يتخذون أولياء؟ اللهم لا. فقال تعالى: { إن تمسسكم حسنة تسؤهم، وإن تصبكم سيئة يفرحوا به }. ولما وصف تعالى هؤلاء الكفرة بصفات مهيلة مخيفة قال لعبادة المؤمنين مبعداً الخوف عنهم: وإن تصبروا على ما يصيبكم وتتقوا الله تعالى في أمره ونهيه وفي سننه في خلقه لا يضركم كيدهم شيئاً، لأن الله تعالى وليّكم مطلع على تحركاتهم وسائر تصرفاتهم وَسَيُحْبِطُها كلها، دل على هذا المعنى قوله في الجملة التذيلية { إن الله بما يعملون محيط }.
هداية الآيات
1- حرمة اتخاذ مستشارين وأصدقاء من أهل الكفر عامّة وحرمة إطلاعهم على أسرار الدولة الإِسلامية، والأمور التي يخفيها المسلمون على أعدائهم لما في ذلك من الضرر الكبير.
2- بيان رحمة المؤمنين وفضلهم على الكافرين.
3- بيان نفسيات الكافرين وما يحملونه من إرادة الشر الفساد للمسلمين.
4- الوقاية من كيد الكفار ومكرهم تكمن في الصبر والتجلد وعدم إظهار الخوف للكافرين ثم تقوى الله تعالى بإقامة دينه ولِزوم شرعه والتوكل عليه، والأخذ بسننه في القوة والنصر.
وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (121) إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (122)
شرح الكلمات
{وإذ غدوت}: أي واذكر إذ غدوت، والغدوّ: الذهاب أول النهار.
{من أهلك}: أهل الرجل زوجه وأولاده. ومن لابتدء الغاية إذ خرج صلى الله عليه وسلم صباح السبت من بيته إلى أحد حيث نزل المشركون به يوم الأربعاء.
{تبوّىء المؤمنين}: تنزل المجاهدين الأماكن التي رأيتها صالحة للنزول فيها من ساحة المعركة.
{هَمَّتُ}: حدثت نفسها بالرجوع إلى المدينة وتوجّهت إرادتها إلى ذلك.
{طائفتان}: هما بنو سلمة، وبنو حارثة من الأنصار.
{تفشلا}: تضعفا وتعودا إلى ديارهما تاركين الرسول ومن معه يخوضون المعركة وحدهم.
{والله وليهما}: متولي أمرهما وناصرهما ولذا عصمهما من ترك السير إلى المعركة.
{ببدر}: بدر اسم رجل وسمي المكان به لأنه كان له فيه ماء وهو الآن قرية تبعد عن المدينة النبويّة بنحو من مائة وخمسين ميلاً " كيلو متر ".
{وأنتم أذلة}: لقلة عَدَدكم وعُدَدِكُمْ وتفوّق العدو عليكم.
معنى الآيات
لما حذر الله تعالى المؤمنين من اتخاذ بطانة من أهل الكفر والنفاق، وأخبرهم أنهم متى صبروا واتقوا لا يضرهم كيد أعدائهم شيئاً ذكرهم بموقفين أحدهما لم يصبروا فيه ولم يتقوا فأصابتهم الهزيمة وهو غزوة أحد، والثاني صبروا فيه واتقوا فانتصروا وهزموا عدوهم وهو غزوة بدر، فقال تعالى: { وإّ غدوت من أهلك تبوّىء المؤمنين مقاعد للقتال } أي اذكر يا رسولنا لهم غدوّك صباحاً من بيتك الى ساحة المعركة بأحد، تبوّىء المؤمنين مقاعد للقتال أي تنزلهم الأماكن الصالحة للقتال الملائمة لخوض المعركة، والله سميع لكل الأقوال التي دارت بينكم في شأن الخروج إلى العدو، أو عدمه وقتاله داخل المدينة عليم بنياتكم وأعمالكم ومن ذلك هَمَّ بني سلمة وبين حارثة بالرجوع من الطريق لولا أن الله سلم فعصمهما من الرجوع لأنه وليهما. هذا معنى قوله تعالى: { إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا } أي تجبْنا وتُحْجمَا عن ملاقاة العدو، والله وليهما فعصمهما من ذنب الرجوع وترك الرسول صلى الله عليه وسلم يخوض المعركة بدون جناحيها وهما بنو حارثة وبنوا سلمة { وعلى الله فليتوكل المؤمنون } فتوكلت الطائفتان على الله وواصلتا سيرهما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمهما الله من ذر ذنب وأقبحه. والحمد الله.
هذا موقف والمقصود منه التذكير بعدم الصبر وترك التقوى فيه حيث أصاب المؤمنين فيه شر هزيمة واستشهد من الأنصار سبعون ومن المهاجرين أربعة وشج رأس النبي صلى الله عليه وسلم وكسرت رباعيته واستشهد عمه حمزة رضي الله عنه.
والموقف الثاني هو غزوة بدر حيث صبر فيها المؤمنون واتقوا أسباب الهزيمة فنصرهم الله وأنجز لهم ما وعدهم لأنهم صبروا واتقوا، فقتلوا سبعين رجلاً وأسروا سبعين وغنموا غنائم طائلة قال تعالى: { ولقد نصركم الله ببدر وأنتم إذلة } فاتقوا الله بالعمل بطاعته، ومن ذلك ترك اتخاذ بطانة من اعدائكم لتكونوا بذلك شاكرين نعم الله عليكم فيزيدكم، فذكر تعالى في هذا الموقف النصر لأنه خير، فقال { ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة } ولم يقل في الموقف الأول ولقد هزمكم الله بأحد وأنتم أعزة، لأنه تعالى حَيِي كريم فاكتفى بتذكيرهم بالغزوة فقط وهم يذكرون هزيمتهم فيها ويعملون أسبابها وهي عدم الطاعة وقلة الصبر.
هداية الآيات
1- فضيلة الصبر والتقوى وأنهما عدة الجهاد في الحية.
2- استحسان التذكير بالنعم والنقم للعبرة والاتعاظ.
3- ولاية الله تعالى للعبد تقيه مصارع السوء، وتجنبه الأخطار.
4- تقوى الله تعالى بالعمل بأوامره واجتناب نواهيه هى الشكر الواجب على العبد.
وصلة الوورد
http://www.4shared.com/file/1Vn5h6VC/ayat_alyom91.html
إلى اللقاء في الآيات القادمة