تذكَّر معي، منذ عام مضى في نفس هذه الأوقات ... ماذا صنعنا على مدار عام كامل؟ وهل لنا من أعمال تُرفَّع عند رب العالمين؟
ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن" [رواه الطبراني وصححه الألباني]
فكيـــف ننـــال هذه الجــائزة في ليـلة النصف من شعبـــان؟
أولاً: التخلص من الشرك ..
ولا تحسب إنك في مأمن منه طالما إنك قد أسلمت، فقد قال النبي "الشرك في أمتي أخفى من دبيب النمل على الصفا" [صحيح الجامع رقم (3730)]
فالشرك خفي جدًا لا تكاد تشعر به .. وقد قال تعالى {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ
ضَلَالًا بَعِيدًا} [النساء: 11
والشرك نوعـــان:
1) الشرك الأكبر .. وهذا لا يتمثل فقط في عبادة الأصنام أو أن يكون على غير ملة الإسلام، بل له أنواع أخرى مُخيفة .. منها:
شرك المحبـــة .. قال تعالى {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ..}[البقرة: 165]
الذي يؤثر شهوات نفسه على مرضات الله عز وجل، فهو ممن قال تعالى فيهم {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ ..} [الجاثية: 23] ..
إذا كان حي علي الصلاة، آثر الانشغال بعمله على تلبية النداء .. وهذا شرك، فينبغي أن تُطهِّر قلبك من محبة غير الله.
شرك الخــوف .. فمن الناس من يخاف الجن والشيطان، وقد يصنع الشركيات حتى يتقي شرهم. ومن الناس من يخشى بعض
البشر أكثر من خشيتهم من الله سبحانه وتعالى .. وقد نهانا الله عز وجل عن ذلك، حين قال {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ
وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 175] .. فمن خاف الله وحده أخاف الله منه كل شيء، أما إذا خفت غير الله ضاعت هيبتك فصرت
تخاف من كل شيء حتى من ظلك.
شرك التوكـــل .. {.. وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [آل عمران: 122] .. توكل عليه وحده ولا تسأل الناس شيئا .. فمن فتح باب المسألة،
فتح الله عليه باب فقر والذِلة.
2) الشرك الأصغر وهو الريــــــــاء .. وهذا خطره يكمن في خفائه، فأحيانًا كثيرة قد تتسلل هذه الآفة إلى قلبك دون أن تدري ..
والإنسان قد يرائي حتى نفسه.
ولتطهير قلوبنـــا من أدران الشرك، نحتـــاج إلى أمرين:
أولاً: جـددّ إيمانــك .. فإنك تحتاج إلى إيمان جديد لمواجهة الشرك الأكبر، قال النبي "إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق
الثوب فاسألوا الله تعالى أن يجدد الإيمان في قلوبكم" [صحيح الجامع رقم (1590)] .. أي إن الإيمان يبلى كالثوب القديم، فلا يصلح لارتدائه مرة أخرى.
فعليك أن توحد ربك من جديد .. إذا اشتدت أحوالك، لا تسأل إلا ربك الرزاق .. إذا أردت أن تقي نفسك شر الفتن، فسلّ ربك الملك
ولا تسأل غيره أن يحفظ سمعك وبصرك عليك .. فقط اسع في طلب الرزق ودع ربك يدبر أمرك.
ثانيًا: تحقيــق الإخلاص .. وفي مواجهة الرياء نحتاج إلى تحقيق الإخلاص، بعدة طرق:
1) عليك بكثرة الدعاء بأن يرزقك الله الإخلاص .. "اللهم اجعل عملي كله صالحا ولوجهك خالصا ولا تجعل فيه لأحد غيرك
شيئا، اللهم ارزقنا الصدق والإخلاص في القول والعمل".
2) ذكّر نفسك بنواياك .. قبل أن تشرُع في أي عمل.
3) فليكن لك في كل أسبوع عمل فذّ كبير .. كأن تصوم أسبوعًا كاملاً أو أن تختم فيه قراءة القرآن أو أن يكون لك ورد ذكر كبير كورد
أبو هريرة رضي الله عنه، الذي كان يستغفر في اليوم الواحد 12000 استغفار ويُسبح مثله .. حتى تُقدم بين يدي الله عمل فذّ كبير
في زمان رفع الأعمال، وليكن هذا العمل عنوان الإخلاص كما قال ذو النون "علامة المخلص بذل المجهود في الطاعة".
فإذا أردت أن تُخلِّص، اعمل عملاً فذًا.
ثانيًا: البُعد عن المشاحنة
والمُشاحن هو الذي يضمر الحقد والغلّ للناس .. قيل لرسول الله : أي الناس أفضل؟، قال "كل مخموم القلب صدوق اللسان"، قالوا
صدوق اللسان نعرفه فما مخموم القلب؟، قال "هو التقي النقي لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد" [رواه ابن ماجه وصححه الألباني].. هذا هو
صاحب القلب الطاهر ..
طهّر قلبك من أي غلّ خفي تجاه إخوانك .. حتى تنال المغفرة في هذه الليلة ..
والحسد غريزة طبيعية في فطرة كل البشر، ولكن المؤمن يُصرفها في طاعة الله .. النبي قال "لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله القرآن
فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار ورجل آتاه الله مالا فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار" [متفق عليه] .. والمراد بالحسد هنا الغبطة وهو
تمني مثل ما للمغتبط وهذا لا بأس به وله نيته، ولكن إن تمنى زوالها عنه فذلك حرام وهو الحسد المذموم .. واعلم إن السبب الذي
يوقعك في الشحناء والحسد هو حُب الدنيــــا، فهي رأس كل خطيئة.
وأخيرًا، أوصيكم بالإكثار من فعل الخيرات في أسبوع ليلة النصف من شعبان .. لتكون خير عُدَّة لرمضان .. فنحن في زمان السقي،
بعد أن بذرنا البذور في شهر رجب والحصاد في رمضان إن شاء الله .. اللهم بلغنا رمضان،،
وإن لم تبذُر بعد .. فاستدرك أمرك الآن، {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ} [التوبة: 46]
وإياك أن تكون ممن دعا عليهم النبي "بعد من أدرك رمضان فلم يغفر له" [رواه الحاكم وصححه الألباني]
هيـــــــــا أعِّد العُدَّة من الآن، فلم يتبقى من الوقت إلا القليــــــــــــل،،
المصادر:
درس "انتبه .. إنها ليلة المغفرة" للشيخ هاني حلمي.